سأتحدث بمثالية، ولا بأس في ذلك، فقد يكون قانون الجذب قانونا حقيقيا كما يقولون، ففي وقت باتت الحقيقة أبشع من كتب الخيال، لا مضرة على الأقل من الناحية النفسية أن نسبح قليلا باتجاه مثالية نراها أجمل من هذا الواقع المعاش.

اختلاف الرأي بين الناس أمر محمود وربما مطلوب، فتلاقح الأفكار المتضادة تنتج في الغالب أفكارا أكثر قدرة على الحياة والصمود في الأزمنة المختلفة من الأفكار المتوارثة التي نتجت عن واقع زماني ومكاني غارق في القدم، إلا أن هذا الاختلاف المحمود غالبا ما يتجلى، خصوصا في المجتمعات المتأزمة بالأحادية والعنصرية، وربما الفاشية بشكل قبيح جدا، فلا ينتج شيئا سوى الفرقة والخصومة والحروب الفكرية التي غالبا ما تتحول إلى عمليات تصفية حسابات وهجوم ممنهج، قد يصل به الحال إلى خلق دواعش ذوي مرجعيات فكرية مختلفة.

قضايا اجتماعية مستحقة لديها القدرة -في المجتمعات التي لم تعتد على الاختلاف- أن تتحول إلى معارك أقل ما يقال عنها إنها تدار بأسلوب سطحي موجّه عقيم، فيدور حولها سجال وتناحر واتهامات بمستويات متعددة، تبدأ بالتشكيك في أهلية الفرد وتنتهي بالمزايدة الوطنية واتهام الآخر بالعمالة.

وضعنا للأسف يختلف كثيرا عن الكثير من المجتمعات الناضجة فكريا واجتماعيا، وعلى الرغم من أن البعض يحاول التقليل من فاشية البعض ومن عقمه الفكري، إلا أننا رغم ذلك نتميز بأننا عندما نختلف يعلو صوت منبعه الكراهية للآخر، لا الرغبة في معالجة القضية المختلف عليها بشكل منهجي عقلي يخدم مصالح المجتمع في المقام الأول.

عندما نهم بالتعليق على أحدهم، فإن علينا النظر إلى ما قاله محاولين دحض أو دعم رأيه من منطلق المبادئ التي نؤمن بها، لا من منطلق عدائنا أو تأييدنا لشكل أو مرجعية ذلك الشخص، فذلك يؤدي بنا إلى الابتعاد عن مناقشة الأفكار إلى محاكمة الأفراد، وهي عادة أصبحت اليوم أساسا لمعظم نقاشات مجتمعنا الرضيع في حقل الحريات واستيعاب مفهوم الاختلاف.

انظر فقط إلى ما يثار حولنا من قضايا، كحق المرأة في القيادة ومطالبات العدالة في المال العام والفساد وإستراتيجية البلاد نحو المستقبل، معظمها تعتمد إما التطبيل لطرف أو تخوين طرف آخر، فالوطنية واحترام الدين والمجتمع هي شماعات يستخدمها كل صاحب حجة ضعيفة، فيهاجم من اختلف معه ويشخصن النقاش، متجاهلا بسطحيته الموضوع الذي من الأساس اختُلف حوله.