في العام 2013 أطلقت شركة بيرسون Pearson - وهي شركة عالمية في توفير خدمات التعليم- تقريراً دولياً يسلط الضوء على أفضل سبل التعليم التكنولوجي في المجتمعات المعاصرة، ونشر التقرير أن حجم الإنفاق على تكنولوجيا التعليم في السعودية يتفوق على نظيراته عالمياً.

وفي الأسبوع الماضي كشف مؤشر وكالة بلومبرغ الدولية -الذي يقيس المستوى الصحي- عن تقدم السعودية على ألمانيا وأميركا في كفاءة النظام الصحي.

الملفت في الأمر ليس أفضليتنا على العالمين في جميع المجالات، فلو كتبت بـ"قوقل" جملة (السعودية الأفضل عالمياً في..) لنقل لك قبل أن يرتد إليك طرفك آلاف النتائج التي تشعرك بالزهو لو كانت حقيقة، والغرابة ليست هنا، بل الغريب هو الاحتفاء بهذه الأخبار التي تأتي صياغتها على طريقة الذم بما يشبه المدح، فلو عدنا قليلاً للوراء -لنعتبر أننا تقدمنا أصلاً- وقرأنا خبر تفوق السعودية في حجم الإنفاق على دول العالم في تكنولوجيا التعليم ونظرنا لواقع التعليم وأحسنّا الظن لدرجة السذاجة والبلاهة؛ فإننا سنجد في الخبر مؤشرا واضحا جداً للهدر المالي، وكلمة هدر مالي هي تلطيف جداً لوقع كلمات مثيرة مثل (لطش، استغلال، فساد)، والكلام ذاته ينطبق على الخبر الآخر حول كفاءة الصحة، فنحن للأمانة لدينا صرف أو بالأصح بذخ يؤهلنا بكل جدارة للمركز الأول عالمياً، ولدينا أنظمة كفاءة رائعة، لكن الصرف بلا نتائج والأنظمة الجيدة لا تُطبّق!

الأمر الأكثر إيلاماً، والجرح الأكثر عمقاً هو تزلف أهل الرأي والتخصص للحكومة عند قراءة هذه الأخبار من خلال الإشادة المطلقة بالحكومة باعتبار أن أخباراً كهذه إنجاز وطني يعتبر المساس به ومناقشته من خوارم الوطنية، مثلما حدث مؤخراً عند صدور إيقاف بعض العلاوات عن موظفي الحكومة حيث اختفى المنظرون الاقتصاديون وكأنهم (فص ملح وذاب) لأن القرار صدر من مجلس الوزراء، ولو كان صادرا عن وزارة ما لوجدت صوتهم العالي (يلعلع) من أول شارع في (تويتر) إلى أقصى (حيّ) في القنوات الفضائية.

الغريب أن هذا يحدث في عهد الملك سلمان صاحب النظرية المعروفة تجاه التعامل مع النقد: (دعوا الناس ينتقدون فإن كان ما قالوه صحيحا فعلى المسؤول تصحيح الخطأ، وإن كان قولهم خاطئا فهو فرصة للمسؤول كي يظهر للناس ويصحح المعلومة)، فالقرار -أي قرار- هو اجتهاد بشري لن يصل لمرحلة الكمال، وهدف المُشرّع والناقد في النهاية هو خدمة الوطن، ولا يوجد نظام بشري مقدس، حتى في الدول التي ترى أن دساتيرها مقدسة يتم تعديلها متى ما دعت الحاجة لذلك، ولا أجد مثقال ذرة شك في أن الحكومة تحرص على سماع الأفكار مهما كانت حدتها وتؤمن بحاجتها لها، وعلى النقيض تماماً من ذلك تدرك أن طريقة (الشور شورك) والمباركة المطلقة لن تضيف لها شيئاً.