شاركني القراء الكرام وبعض المغردين على موقع تويتر، مشكورين، بتجاربهم على وسم #دراسة_أم_تجارة.
وبالرغم من أننا تناولنا موضوع الرسوم المرتفعة، إلا أنه يظل الموضوع الأكثر إزعاجاً للأهالي، خاصة مع الظروف الاقتصادية الحالية. الدكتور منصور المالكي من جامعة الطائف غرد قائلاً: "المزعج في الأمر أنه لا يوجد هناك أي ضابط لموضوع تحديد الرسوم، ووزارة التعليم يقع على عاتقها عدم ضبط هذه الفوضى المتراكمة"! مغردة أخرى ذكرت أن طريقة تعامل بعض المدارس غير لائقة، ففي أول العام، إما أن تدفع 50% من الرسوم وإلا لن يدخل الطالب الفصل، دون اعتبارات لأي ظروف طارئة ودون نظام تقسيط عادل. إحدى الأمهات علقت بأن المبنى هو المبنى، والمعلمون لم يتغيروا ولا المناهج ولا الطلاب، ومع ذلك هناك زيادة سنوية بمقدار ألفي ريال في مدرسة ابنها.
وإذا انتقلنا من الرسوم الفلكية إلى نقاط أخرى، نجد أن فتح المجال للمدارس العالمية في تدريس مناهج مختلفة عن المناهج السعودية، قد جعل بعض هذه المدارس حرة في "اختراع" مناهجها الخاصة، التي هي في الحقيقة "تجميع" لمناهج من دول مختلفة، وُضعت لطالب مختلف في بيئة مختلفة، ويدرسها معلم متمكن ضمن منهج شامل ومتكامل، فلا ينتج عن استيرادها للطالب السعودي أو العربي سوى التشتت. فتكون النتيجة طالبا لا يتقن لا العربية ولا الإنجليزية، ولا يفقه لا أمور الدنيا ولا الدين. وتشتكي بعض الأمهات من كون الطلبة مثلاً، لا يتمكنون من إنهاء نصف الدروس من الكتاب الفاخر الذي أجبر الأهالي على شرائه بمبالغ مرتفعة. وأخبرتني زميلة عادت قبل عام من أميركا، وتدرس ابنتها في مدرسة عالمية، بأن المنهج قد يكون هو نفسه المنهج الأميركي الذي كانت تدرسه ابنتها هناك، ولكن شتان بين طريقة التدريس ما بين جدة وتكساس: فهناك يتم "تعليمه" للطالبة، وهنا "تحفيظه" لها! ويبدو أن الحفظ سيظل دوماً وأبداً لازمة من لوازم التعليم في الدول العربية.
أيضاً بوصلة الدين غير منضبطة في بعضها. فإحدى المدارس تشعر بأنه بالرغم من أنها عالمية إلا أنه يسيطر عليها فكر أقرب للفكر المتشدد حتى لمراحل الطفولة المبكرة، وفي المقابل أخبرتني أم بأنها سحبت ابنتها من مدرسة أخرى لا تسمح للطلبة بترك الصف للصلاة، لعدم وجود فسحة صلاة، إلا بطلب رسمي من ولي الأمر! وهنا لا بد من وقفة، فللدولة الحق ليس فقط في فرض نفوذها على المدارس المرخصة تحت إشراف وزارة التعليم، بل حتى تلك التابعة لسفارات بعض الدول، ما دام يدرس فيها سعوديون، خاصة في دروس التاريخ والجغرافيا، حيث قد يتسلل الدعم الغربي إلى وجود الدولة العبرية من خلالها، أو حتى عبر قصة "بريئة" للأطفال. ولنتذكر كيف تدخلت السلطات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما فيما يتعلق بالأكاديميات السعودية ومناهجها والحملات الإعلامية التي شُنت عليها.
وهذا إذا كنا نتحدث عن مدارس مرخصة وتعمل في النور، فهناك لاسيما في مرحلة رياض الأطفال، العديد من الحضانات والروضات التي لا يشرف عليها أحد! وليس على أبوابها لوحة تدل عليها، وتدار غالباً من قبل سيدات غربيات متزوجات بمواطنين أو من قبل مقيمات في المجمعات السكنية للأجانب "الكمباوندز". وتتميز هذه المدارس برسومها العالية، وبعدم خضوعها لأي جهة رقابية، وبالتالي لا يمكن التأكد من اشتراطات السلامة والصحة والنظافة فيها، ولا معرفة ماذا يُدرس من خلالها، ولا كيف يتم التعامل مع الأطفال هناك. والعجيب أنها ناجحة جداً، ولديها قوائم انتظار، وبعضها يعمل بدون ترخيص منذ ما يقارب العقدين! فيبدو أن كون المديرة أوروبية أو أميركية أو كندية، حتى لو كانت وظيفتها الأساسية في بلدها نادلة في مطعم، يعني أنها مؤهلة لرعاية الأطفال في هذه السن الصغيرة والمهمة. أو أن الأهالي لقلة المعروض، وبعد المسافات ومشكلة المواصلات، قرروا الرضا بما هو موجود. إحدى المديرات تخبرك صراحة بأنها لا تريد تسجيل مدرستها بشكل رسمي، حتى لا يزعجها أحد بأمر السعودة.
هناك جانب آخر ربما لم يتم التطرق إليه في السابق، ولكن ذكرت لنا دكتورة في الجامعة بأنها بدأت تواجه مشكلة مع الطالبات الجدد في مادتها، فقد صار الصف منقسماً إلى نوعين: المتخرجات في المدارس العالمية، وزميلاتهن خريجات المدارس الحكومية والأهلية العربية. هاتان المجموعتان غير متجانستين، لا من ناحية اللغة التي يتقنها كل فريق، ولا من ناحية الخلفية المعرفية. فالمناهج العلمية في الجامعات السعودية وضعت في سياق تكميلي للمناهج التي يتم تدريسها في مراحل التعليم العام السعودي، والتي تختلف عن تلك التي يتم تدريسها في المدارس العالمية. فتصبح الدكتورة في حيرة، إذ كيف تقدم مادتها العلمية دون أن تظلم أحداً؟! فما يبدو صعباً لهؤلاء هو العكس بالنسبة للفريق الآخر. ونحن لا نتكلم عن الفروقات الفردية الاعتيادية بين الطلبة، وإنما عن اختلاف رئيسي بين ما تلقته كل مجموعة قبل المرحلة الجامعية. فما دام كلا التعليمين العام والعالي هما الآن تحت مظلة واحدة، فكيف سيتم التعامل مع هذا التحدي الجديد؟
موضوع المدارس الخاصة والعالمية له إذاً جوانب متعددة، قد يكون أبرزها الجانب الاقتصادي، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، والتي قد تجعل بعض الأهالي عاجزين عن دفع رسوم النصف الثاني من السنة، لكن هناك جوانب أخرى دينية وثقافية وتعليمية وصحية وأمنية. وفي الوقت الراهن فإن البوصلة على ما يبدو لا تشير إلى الشمال الحقيقي، وهو أمرٌ يحتاج تدخلاً حازماً. ولقد أخذني وقتٌ لأقتنع بأن وجود خيارات تعليمية متنوعة هو أمر إيجابي، ويثري الخارطة العلمية في المملكة، وينتج جيلاً بمعارف متنوعة، بل ومن حق الأهالي اختيار ما يناسبهم ويناسب أولادهم، ولكن ما لا يصح هو ترك الحبل على الغارب، فتنتج هذه السلبيات التي قد تجعل العملية برمتها أكثر ضرراً منها نفعاً.