العرب تقول لكل مقام مقال. ما يناسب قوله في موضع قد لا يُناسب قوله في موضع آخر. الحديث يفترض أن يرتبط بالمتغيرات.
"سمعت آخر خبر". سؤال من المقبول سماعه في أي مكان. لكن أن تسمعه في حديث جانبي ببن شخصين في المقبرة، أثناء مواراة إنسان الثرى؛ فهذا أمر محيّر!
علاقات تنشأ، ومواعيد تُضرب، وأحاديث تدور، وابتسامات و"وينك ما شفناك من زمان"، و"عاش من شافك"، و"مبروك الزواج"، وسوالف، و"تعاليل"، كل هذا وسط القبور. وبعضها فوق رؤوس الموتى!
إما أن الناس تبلدت، وإما أنني حساس "زيادة عن اللزوم"!
حضرت العام الماضي دفن أحد الأشخاص، استفزتني ضحكات وأحاديث بصوت مرتفع. لا أبالغ والله إن قلت كأنني في صالة زواجات!
للموت رهبة واحترام، وأثناء مرور الجنائز يقف الإنسان احتراما للنفس البشرية أيًا كانت، وللمدافن احترامها حتى لدى "الغرب الكافر". حتى البوذيون وعبدة البقر والملحدون يلتزمون الصمت حينما تحضر الجنازة. رجال ونساء واقفون بصمت رهيب. لا تسمع لهم همسا.
مراسم العزاء -رسمية وغيرها- التي تنقلها التلفزيونات من بعض دول العالم توضح لك الصورة. الكل يسير بأدب واتزان، دون أي ضوضاء. هذا تطبيق حرفي لآداب الدين الإسلامي.
لكن بعض المسلمين هنا لا يشعرون بذلك!
لن أرتدي عباءة الواعظ هذا الصباح، وأعتذر إن أوحيت لكم بذلك دون قصد، فللوعظ أهله المؤهلون. لكن لم يرد مطلقا أن الحديث جائز في المقابر؛ عدا ما ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام. فمن أين يأتي هؤلاء بسلوكياتهم المشينة غير الموجودة في مجتمعات العالم!
الخلاصة: ما يدور في المقابر أمر لا يمكن تجاوزه. فإن كان جائزا شرعا، وأخلاقا، وأدبا مع الموتى -وقبل ذلك مع الموت- فلماذا لا يتم طرح المساحات الخالية في المقابر لإنشاء ممرات لممارسة الرياضة ومطاعم، ومكاتب عقارية، ومحلات لبيع القهوة، والآيسكريم!.