أصدرت وزارة الخدمة المدنية اللائحة الجديدة لتقويم الأداء الوظيفي في الجهات الحكومية، والتي ستحل بدلاً من اللائحة السابقة، وتأتي هذه اللائحة ضمن إطار برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لتنمية الموارد البشرية، والمتضمن الموافقة على الرؤى والأهداف الرئيسية لوزارة الخدمة المدنية.

وتهدف وزارة الخدمة المدنية من اللائحة الجديدة إلى تحقيق أفضل الممارسات في مجال إدارة الموارد البشرية، بالإضافة إلى مساعدة المديرين والمشرفين في عمليات تقويم الأداء الوظيفي على إتمام مهامهم ذات الصلة، بما يكفل تحقيق مبدأ الجدارة في الوظيفة الحكومية، حيث تتضمن 21 مادة، من أبرزها: وجود ميثاق للأداء يتضمن الأهداف والجدارات والوزن النسبي والناتج المستهدف لكل هدف وجدارة، ويتم إعداده والاتفاق عليه واعتماده من الموظف ورئيسه المباشر في بداية دورة الأداء.

من الجيد قيام وزارة الخدمة المدنية بتعديل وتطوير لوائح وإجراءات أنظمة الموارد البشرية في الجهات الحكومية بما يتفق مع المستجدات والتغيرات الحديثة في مجال الإدارة الحكومية، حيث عرف عن أسلوب تقويم الأداء الوظيفي في الجهات الحكومية بأنها تستند إلى الانطباعات الشخصية ومدى رضا الرئيس الإداري عن الموظف بغض النظر عن كفاءة العمل والإنجاز والجدارة، وبالتالي فإن الوزارة تهدف من خلال تطبيق اللائحة الجديدة إلى زيادة إنتاجية الموظف الحكومي وتقييمه على أساس عادل، وعدم مساواة المجد والمهمل في الترقيات والعلاوات.. والسؤال المطروح هنا: كيف تستطيع اللائحة الجديدة التغلب على الممارسات السلبية الموجودة حالياً عند تقويم أداء الموظف الحكومي؟

عند مقارنة اللائحة الجديدة بالقديمة، يتضح أنها لا تختلف عن القديمة من حيث المضمون سوى ما جاء في المادة الثانية والتي تنص على أنه يجب أن "يحدد الرئيس المباشر للموظف الأهداف والجدارات والوزن النسبي والناتج المستهدف لكل هدف وجدارة بالتنسيق مع الموظف وفق ميثاق الأداء، ويجب ألا تقل الأهداف عن 4 أهداف، ويحدد لكل هدف معيار قياسه ووزنه النسبي والمستوى المستهدف له على أن يكون مجموع الأوزان النسبية للأهداف 100%".

والمادة السابقة في اللائحة الجديدة سوف يكون مصيرها عند التطبيق على أرض الواقع مصير المادة (15) في اللائحة القديمة، والتي تنص على أنه يجب على "الرئيس المباشر عند إعداد تقويم الأداء الوظيفي الرجوع إلى سجل تدوين الملاحظات وتقرير الإنجاز وسجل متابعة أداء الموظفين وأي مصادر أخرى تساعد في دقة موضوعية التقويم"، ومن النادر أن نجد سجل تدوين الملاحظات موجودا في العديد من الجهات الحكومية! فهو غير معمول به على الإطلاق، وإن وجد فهو عبارة عن ملف يتضمن تقارير تقويم الأداء في السنوات السابقة فقط.

فتقويم أداء الموظف المعمول به حالياً في الجهات الحكومية في الأساس يعتمد على وجهة النظر الشخصية للرئيس أو المدير الإداري لا من وجهة نظر العمل، فيرفع ويكافئ من لا يستحق الرفع، ويبخس من يستحق الإجلال والاحترام، وليس من حق الموظفين التظلم من تقارير الأداء الخاصة بهم.

واللائحة الجديدة في الحقيقة أعطت سلطات وصلاحيات أكثر لرجل الإدارة عند تقويم أداء الموظف، وربما يستعمل الرئيس أو المدير الإداري هذه الصلاحيات في جلب الأذى لبعض الموظفين غير المرضي عنهم لما يكنه لهم من كره شخصي أو حقد وحسد، ففيها يستعمل رجل الإدارة سلطاته للإيقاع بأعدائه، ربما لإشباع شهوة الانتقام منهم، وأخشى ما أخشاه أن يتخذ بعض الرؤساء والمديرين من اللائحة الجديدة سلاحاً يسلطونه على رقاب أعدائهم، فيترتب على ذلك إشاعة الفوضى في صفوف الإدارة ذاتها، وبعدم الثقة بين أفرادها، لأن الموظف جزء أصيل من الإدارة.

لا شك أن وزارة الخدمة المدنية تهدف من إقرار اللائحة الجديدة إلى ضمان قيام الموظف بالواجبات الوظيفية على النحو الأمثل، وإعطاء الإدارة هذه الصلاحيات هو تحقيق المصلحة العامة المتمثلة في حسن سير العمل في الجهة الحكومية عموماً، وذلك بحث الموظفين على القيام بأعمالهم على الوجه المطلوب، مع مكافأة المجتهد وعقاب المقصر، ولكن ليس هناك ضمان يحمي الموظف من استعمال الإدارة لسلطتها في هذا الشأن استعمالاً منحرفاً.

إذًا قد يتم تقويم أداء الموظف على أساس المحسوبية والمجاملة، أو لعقاب موظف كفء ولكنه لا يحظى بقبول رؤسائه لأسباب غير موضوعية، وقد تتخذ الإدارة من تقارير الأداء السنوية ذات المعدلات المنخفضة أسلوباً للعقاب المقنع، واللائحة الجديدة تضمنت كيفية وضع تقرير تقويم الأداء وكيفية قياسه، وهو أمر يختص به الرئيس المباشر والمدير العام والوزير أو المسؤول الأول في الجهة ومدير الموارد البشرية كل في حدود اختصاصه، ولا رقابة لوزارة الخدمة المدنية عليهم في ذلك.

فوزارة الخدمة المدنية تعد جهة لها سلطة الإشراف فقط دون سلطة إعادة النظر أو الرقابة على ملاءمة تقويم الأداء الوظيفي، وإنما تكتفي بالرقابة على مشروعيته من خلال تطبيق الإجراءات الشكلية فقط عند عملية التقييم، ولا تتدخل في الحكم على مدى سلامة تقدير الأداء الوظيفي.

وعلى هذا الأساس، أعتقد أن اللائحة الجديدة لن يكون لها تأثير واضح على زيادة إنتاجية الموظف أو تأثير على التقييم العادل بين الموظفين، ولهذا أرى أن تكون هناك رقابة الملاءمة على تقرير قياس الأداء من قبل وزارة الخدمة المدنية بحيث يشترط لسلامة تقرير الأداء وجود تناسب ما بين محل التقدير وسببه، ومعنى ذلك أن يكون التقرير غير مشروع إذا شابه خطأ في التقدير، ويكون التقدير مشروعاً إذا استند إلى كفاءة الموظف في أداء عمله.