كثيرون سيتكلمون ويقولون إن هذا القانون غير عادل، وإنه تعدٍّ على السيادة وإنه وإنه ...إلخ ويطلقون على أميركا أقذع الألفاظ، وكل ذلك صحيح، لكن هل سيغير ذلك من الواقع شيئا؟ وهل أعضاء الكونجرس الأميركي الذي لا يعرف بعضهم أين تقع معظم المدن العربية سيصل إليهم شيء أم أن الأمر مجرد إرضاء للقارئ المحلي! وحتى لو أتينا بتصريحات لمسؤولين أميركيين ينتقدون القرار، فهؤلاء تنفيذيون وليس لهم صوت في الكونجرس.
دعونا نتكلم بواقعية وعملية، القانون يطبخ منذ سبتمبر العام الماضي، يعني أكثر منذ عام مر على لجان الكونجرس، وتم التصويت عليه من المجلسين، وخلال الفترة الماضية كان مجهودنا أقل بكثير من المطلوب، ومعروف أن أفضل وأسهل وقت لرد أي قانون يكون في مهده وبدايته، لكن مجهودنا وشحن الهمم لدينا بدأ بعد أن بدأ القانون يتبلور ويأخذ الزخم، خصوصا أنه كانت هناك حملة إعلامية مصاحبة وشرسة ضد المملكة، بينما الإعلام الخارجي السعودي كان غائبا في سبات، إلا إذا استثنينا المجهود الفردي لوزير الخارجية، وكانت خسارة المعركة الإعلامية من أهم أسباب إقرار القانون بشهادة كثيرين.
كان هناك للأسف من يطبل -سواء عن جهل أو حسن نية- بأن القانون لن يقر وأن ديباجة العلاقات التاريخية لن تجعل أميركا تفعلها، وأنه توجد مصالح مشتركة بينها وبين المملكة ربما تحول دون إقرار القانون، ونسي هؤلاء أن أميركا تخلت عن الشاه وهو كان أقرب حلفائها، وتخلت عن حسني مبارك بأسرع منه، وهناك المثل الأميركي الشهير للتخلي عن الصديق "ارمه تحت الباص".
حتى بعد إقرار القرار ورفعه للرئيس أوباما بقي المجهود الإعلامي خاملا وكان التركيز على الأشخاص والمسؤولين، بينما التحشيد الإعلامي من محامي عوائل 11 سبتمبر على أشده، ولذلك لما استخدم أوباما الفيتو تم إبطاله بسرعة، حتى أن سيناتورات محسوبين أصدقاء للسعودية صوتوا مع القرار لأنهم أدركوا أنها معركة خاسرة إعلاميا، ومع وجود انتخابات قريبة أصبح الوضع أسوأ. يقول أحد علماء السياسة الأميركيين: اللوبي السعودي اختفى ولم يبق إلا اللوبي الإسرائيلي في واشنطن! وهو يعني أن اللوبي السعودي كان في يوم ما أقوى اللوبيات في العاصمة، لكن ضعف أداء السفارة كان ملحوظا للجميع، وللأسف الاعتماد على شركات العلاقات العامة التي تسعى وراء المال وليس النتائج، وللأسف عمل اللوبيات صار (اوتسورسن) لشركات العلاقات دون متابعة، وصار التركيز على أشخاص وليس على مؤسسات أو إعلام.
الإدارة الأميركية الحالية لها دور كبير في الموضوع، أما "الفيتو" فهو لذر الرماد في العيون. كثير من أعضاء الكونجرس اعترفوا بأن الإدارة لم تبذل جهودا للوصول إلى حل وسط معهم بل "طنشتهم".
أوباما استخدم "الفيتو" على 10 قوانين سابقة ولم يتم نقض أي منها، فلماذا هذا القانون تحديدا؟! إدارة أوباما لم تدافع عن "الفيتو" حتى بنسبة 1% مما عملته من مجهود في صفقة إيران، بل حتى التأجيل لما بعد الانتخابات، لم تضغط الإدارة بما فيه الكفاية، بصراحة وبدون مجاملة إن أوباما -صديق إيران- "ناوينا".
هل المملكة لديها وسائل للرد؟ نعم، الموضوع ليس موضوع قانون "جاستا" لأنه من الممكن إبطال كثير من مفاعيله بالعمل الجاد، لكن الموضوع كيف وصلنا إلى مرحلة يُسنُّ فيها قانون يعتبر معاديا جدا من دولة كنا نظن أنها حليفة؟ حتى أعداؤنا لم يسنوا قوانين تهاجمنا بهذه الحدة، وهذا دليل على أننا نحتاج إلى إعادة نظر بسياستنا وعلاقاتنا وبممثلينا، الرد يجب أن يكون على قدر التحدي، من الذي كان وراء القانون ومن أيده؟ لنتعلم من عدوتنا إسرائيل كيف يعاقب لوبيها القوي أي أحد يحاول حتى التقليل من فوائدها ومساعدتها فما بالك بإيذائها! يجب التركيز على المؤسسات وليس الأشخاص، ما فائدة أن ينتقد أغلب المسؤولين التنفيذيين القرار بينما ليس لهم أي صوت تشريعي وكأن ما يفعلونه إعادة صدى لإرضائنا!
نعم كانت هناك نية لاستهداف المملكة لكن جزءا من المسؤولية نحن نتحمله بأداء الإعلام الخارجي الهزيل، وللأسف أداء بعض سفاراتنا هزيل أيضا!
لكن: هل يمكن تصحيح الوضع؟ ربما نعم، وكمثال؛ هناك شمعه في هذا الظلام: خلال السنة الماضية بدأت مجموعة من الشباب السعودي المثقف، ودون ترتيب أو تنسيق، وبشكل تطوعي بالرد بوسائل التواصل الاجتماعي على الصحافة والصحفيين الغربيين فيما يثار عن المملكة، وكانت النتائج ممتازة لدرجة أن الصحفيين الغربيين بدأوا يسألون عن صحة الأخبار قبل نشرها، وبعضهم غير كثيرا من قناعاته عن المملكة. لقد تعرفت على بعض هؤلاء الشباب من خلال ردودنا على الصحافة الغربية، وربما أغلبهم أنشط بالرد مني، لأننا أصبحنا نرد بحسب أوقات فراغنا تطوعياً وكلنا ملتزم بعمل آخر، هذا يدل على أنه يمكن تصحيح الوضع لو أصبح الإعلام الخارجي لدينا محترفا من إعلاميين متخصصين لتكون النتائج أفضل، لكن الأهم في نظري أن تكون تعيينات الإعلام الخارجي والسفارات بالكفاءات وهي كثيرة في بلادنا.