إذا كانت أول خطيئة ارتكبها البشر هي الحسد فربما أن أكثر خطيئة تكراراً هي التبرير للآخرين عن تصرفاتنا، أفكارنا، آرائنا، مظاهرنا، تعليمنا، عاطفتنا، ذلك أن التبرير يفتح للآخر مساحة لا يحق له شغلها، وتلك هي المساحة التي يمكنه فيها تقييمك. في مجتمع الحريم الذي استعرضته "فاطمة مرنيسي" -رحمها الله- بروايتها "نساء على أجنحة الحلم"، كانت الراوية الحقيقية للقصة شخصية فاطمة -وهي بالمناسبة طفلة في السابعة من عمرها- ناقدة وأحيانا شارحة لغياهب عالم الحريم المغلق، لكنها لم تكن أبداً، في أي صفحة من المئتين صفحة بين ثنايا الكتاب، قلماً يبرر ممارسات المرأة العربية. يستطيع أي قارئ لنصوص مرنيسي أو رواياتها أو حتى مقابلاتها الشخصية أن يلحظ هذه الحيرة الأنثوية بين الحبو إلى عالم "الحريم" أو الانفكاك من قيوده وحتى هذه الحيرة لم تبرر. إن اختيار الطفلة تحديداً كراوية لقصة تتناول قضية عميقة مثل المرأة العربية في المغرب وفي حقبة زمنية معينة لم يكن عبثيا، بل ربما كانت مرنيسي تستخدم الطفولة كأداة تتسم بالفطرة السليمة التي لم تتدخل في تكوينها الفيسيولوجي عادات وموروثات من أجل تقييم مشاهد الرواية أو تقييم وضع المرأة العربية.

ما يميز التصوير النسوي في هذه الرواية هو وسطيتها في تمثيل المرأة ما بين السياق الشرقي المعهود الذي يعتبرها عورة وناقصة الأهلية وبين السياق الغربي الموغل في تجسيده الجسماني للمرأة. الرجل أيضا في هذه الرواية تم تصويره في وسط القوى بين المستعمرين من جهة والمرأة المغربية التي تحاول الانفكاك من قيود الحريم من جهة أخرى. وبين كل هذه الجهات التي تتضارب مصالحها تستشعر بسهولة الثقافة المغربية ومدينة فاس التي دارت بين دهاليزها كل الأحداث والحوارات. التصوير المجتمعي لواقع النساء بالمغرب في ذلك الوقت كان دقيقا وفي نفس الوقت مريعاً. لم يكن النسوة يستمعن للراديو إلا بالسر، ولا يخرجن من المنزل إلا بإذن الرجل ذي السلطة في المنزل، ولم يملكن أي حق مدني أو سياسي وما إلى ذلك من مظاهر سطوة ذكورية.

يرتبط هذا الكتاب بواقعنا المعاصر، خصوصا في بعض محاوره، ربما في مدى صعوبة خروج المرأة السعودية من المنزل لقضاء احتياجاتها الأساسية من الطعام والكساء بدون صحبة رجل متفرغ لها، الأمر الذي يجعلها تبدو كالطفلة فاطمة، لابد أن يؤمن لها غيرها مرادها، ولعل السعوديات في عصرنا اليوم يقلنها بالفم الملآن من خلال وسوم تويتر ومقالات الصحف ولقاءات التلفاز بأنهن كاملات الأهلية وقادرات على كل شيء في حال كان القانون في صفهنّ. إن مطالبة المرأة باستعادة وضعها الطبيعي كإنسان يخدم نفسه بنفسه ويتعامل مع الحياة مثل بقية البشر أمر كان يجب حدوثه منذ سنوات، ولذا فإن المبالغة في كبحه أو تجاهله تبدو ردة فعل متكلفة وغير لائقة.