تعود بدايات صناعة الأفلام إلى حوالي عام 1895 ميلادي، حينما عرض أول فيلم تجاري في مقهى قراند كافيه في مدينة باريس. وعرض الفيلم الصامت باستخدام اختراع صنع من قبل الأخوين لوميير. أما منذ بداية القرن العشرين فازدهرت الريادة السينمائية ومرت بمرحلة انتقالية سريعة من الأفلام الصامتة إلى الناطقة، وتطورت جودة الصورة بشكل ملحوظ وسريع مع تطور التقنية. أصبح للسينما مدارس متعددة تعكس وتخدم الثقافة الاجتماعية لدول مختلفة، كحركة الموجة الجديدة في فرنسا، والواقعية الجديدة في إيطاليا، ومن ثم إيران وسينما الهوليوود والبوليوود الشهيرتين. وقد هيمنت السينما الأميركية على جميع مدارس السينما. صناعة الأفلام تعد أحد مصادر الوعي والفكر، واستيراد ثقافات غربية للاطلاع عليها، واستخدام وسائل التقنية وزمننا المعاصر، مع المحافظة والاعتزاز بالهوية والموروث الثقافي يصنع منّا مجتمعا مطَّلعا ومُلِما ومبدعا.
أخيرا، عرض فيلم بلال الذي استغرق 8 أعوام لصناعته هذا الشهر في دور السينما حول العالم. الفيلم الكرتوني يحكي قصة الصحابي بلال بن رباح، رضي الله عنه، الذي عرف عنه الصبر وقوة التحمل بأسلوب معاصر وملهم. وقصة رحلة المخرج ورائد الأعمال السعودي، أيمن جمال، التي تطلبت منه الصبر وقوة العزيمة هي بحد ذاتها قصة ملهمة. لقد واجه أيمن جمال العثرات، أولاها هي عدم وجود ثقافة تدعم السينما والإخراج، وعدم وجود أي شركات إنتاج في المملكة آنذاك. وجد أيمن نفسه أمام خيارين، إما أن يترك فكرته ويتخلى عنها أو يتمسك بها رغم استحالتها واحتمالية عدم حدوثها. وبالرغم من الصعوبات عزم أيمن على أن يتخطاها وأنشأ مع شريكه شركة إنتاج مقرها دبي.
في الولايات المتحدة، وبالتحديد نيويورك، يقام مهرجان ترايبيكا السينيمائي سنويا، بهدف التشجيع على صناعة الأفلام الهادفة. إن سرد القصة من أهم مقومات عصرنا المفاهيمي الذي هو في بداياته، وإذا أردنا الارتقاء فلا بد من أن ندرس هذا الفن ونطبقه، ويمكن عمل ذلك على أوجه عديدة - الكتابة، الإخراج، الفن.. ومؤتمر حكايا مسك الذي أقيم في الرياض منذ شهر هو خطوة جميلة نحو الإبداع.
في دولنا العربية لدينا كنوز دفينة لم تكتشف، بل لم نبحث عنها من قصص جميلة، سواء واقعية أم من وحي الخيال، لم تُرو للأجيال الصاعدة، من المهم جدا أن نحيي تراثنا الأدبي ونخلد موروثه. وأتمنى أن نرى ثقافة محلية وإقليمية تبتكر قصصا ملهمة، سواء حقيقية أم لا، تعكس ثقافتنا الإسلامية الصحيحة والمعتدلة، وتحولها إلى أفلام، لما للقوة البصرية من أثر على نفوس المشاهدين. فيلم بلال هو قصة ناجحة وإنجاز عالمي نعتز به. إنه رمز لقوتنا الناعمة وعمل لا بد، صغارا أم كبارا، من أن نشاهده ونتأثر به، ونستلهم منه العبر والأخلاق والحكم. السينما كأي كل وسائل الترفيه والتسلية سلاح ذو حدين يجب علينا أن ننتقي ما نشاهد، والسينما فن جماهيري ومن أدوات الدبلوماسية الثقافية، لما له من تأثير وجداني عاطفي على المتلقي.