نيقولاي غوغل كاتب روسي يُعد من آباء الأدب الروسي. وُلد عام 1809 وتوفي في 1852 من أعماله الأكثر شهرة رواية "النفوس الميتة". نيقولاي روائي من النوع الفريد وهو كذلك إضافة لهذا يجعلنا نقف أمام سؤال كبير وصادم في روايته "النفوس الميتة": ما الذي يمرره لنا عبر هذه الرواية من خلال بطلها الذي يتجول في القرى ليشتري الأرواح التي قضت في زمن الإقطاعين؟
الحقيقة أن النفوس الميتة التي عبرت الرواية من خلالها إلى خفايا الإنسانية ليست نفوساً ميتة بقدر ما هي حياة في رواية. "النفوس الميتة" رواية مضى عليها زمن كأحداث مرحلة في ذلك الوقت ولكن بقي لنا منها هذا الغلاف المعنون "بالنفوس الميتة" ليمس جانباً حقيقياً من حقيقة الإنسان، بل إنها بعضنا أو نحن أو جميعنا إذا ما رصدنا ولاحظنا الداخل منَا. كل ما في الأمر أن الأرواح المتحركة هنا وهناك اليوم لا تجرؤ على قول هذا، ولكن رواية نيقولاي تجرؤ على أن تقول إنه من صنف الرواة الذين يُظهرون إلى النور ما يكنه البشر في ظلمات النفوس.
تحتمل الرواية القراءة من زوايا عديدة وسأقرأ الرواية من منطقة مختلفة تماماً، من هنا، من الوقت الذي تحياه البشرية اليوم وليس في سياق الزمن الذي كتبت فيه الرواية. تتلخص الرواية في شخصية البطل تشيتشيكوف الذي يتجول في القرى ويشتري الجثث الميتة من أسيادهم باعتبارهم كانوا مستعبدين لديهم، والشراء هنا ليس بالمعنى الحرفي بل لتشكيل قائمة منهم حتى يستطيع الحصول على إجراء مصرفي يخول له الحصول على الأموال على عدد الرقيق الذين يفترض أنهم أصبحوا ملكاً له.
البطل هنا ليس إلا رمزاً فاضحاً لنهم الإنسان وأطماعه الشيطانية في كل زمان ومكان، فهو نموذج للكيان الشيطاني الذي يبيع ويشتري البشر حتى وهم موتى، إنه ذلك النموذج الإقطاعي والرأسمالي الذي يحصد حياة الأرواح مقابل أن يجني المال الكثير. إنها معركة الحياة التي تحدث في الظلام ولا تراق فيها قطرة دم. الدماء تخرج من الأجساد أما الأرواح فإنها تنتهك وتقتل وتموت في صمت عميق. ومن الواضح هنا أنه أراد أن يترك خلفه رسالة هامة وهي أن هذه المقايضة بين هؤلاء وبين أرواحهم ليست إلا حكاية الإنسان سواء كان في روسيا أو في القرن العشرين أو أي مكان من هذا العالم.
كرس نيقولاي وقتاً طويلاً في روايته "النفوس الميتة" وصل إلى 15 عاما، إلا أنه خلال هذا كتب البعض من رواياته المهمة التي كان أبطالها بسطاء من قلب المجتمع الذي يعيشه، وبرغم أن نيقولاي نفسه كان من عائلة الإقطاعيين الذين سلبوا أرواح وحياة البسطاء آنذاك مقابل أن يحيوا في كنفهم إلا أنه ومع كل هذا كتب بتمكن عن حياتهم التي كانت على الهامش، فأصدر روايات "المعطف"، "يوميات مجنون"، "الأنف"، و"اللوحة". إنها قصص الأرواح في كل الأزمنة.