يظل المدح هو الغرض أو الفن الشعري الوحيد، الذي تدور حوله الأسئلة النقدية، وحتى على مستوى الرأي المتكون لدى القراء عن هذا اللون الشعري، والصورة الذهنية لديهم عنه، هي في الغالب صورة مُهتزّة وغير واضحة.
الفضاء الشعري، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي يرتادها ملايين الأشخاص، تعج بعدد كبير من فيديوهات وقصائد نصيّة وصوتيات، كلها في دائرة المديح الشعري لأشخاص وقبائل وعوائل، وهذا السباق المدائحي المحموم، والمكتوب والمُقال بلا وعي، هو من شوّه صورة المدح كلون شعري جميل، جعلوا دائرته ضيّقة.
الذي شوّه المدح، هو هذا التناول السطحي للشخصيات الممدوحة من قبل الشعراء أنفسهم، وحصرهم للمديح في دائرة الإساءة للآخر المختلف والمجاور، دون مبرر أخلاقي، وحتى دون مبرر فني.
ليس عيباً أن يمدح الشاعر شخصية تستحق المديح، وليس عيباً أن يمتدح الشاعر قبيلته ويسرد مناقبها الأخلاقية والتاريخية، غير أن العيب كل العيب، والسوء كل السوء، عندما تمتدح ذاتك من خلال إساءتك للغير، أو أن تمتدح نسبك وقبيلتك من خلال القدح في أنساب وقبائل الآخرين، وذاك للأسف هو الشائع الآن، في غالبية ما نقرأه ونسمعه من مدائح شعرية لا شعر فيها، وإنما انتقاص وشتائم للغير، وكأن ذات الشاعر وقيمته لا تتحققان فعلياً، إلا من خلال انتقاصه للغير، وتلك أزمة وعي وفهم وأخلاق.
المديح لون شعري في غاية الجمال، متى ما وظفه الشاعر فنياً بالشكل الواعي والرصين، وعلينا أن نعلم، أن ثلاثة أرباع المجد الذي خلّد المتنبي، كان من خلال مدائحه الرائعة، مقارنة فنيّا ببقية شعره.
كان هذا كلاماً، في مديح المديح.