الكثير يعرف قصّة المثل الشعبي (كأنك يا بو زيد ما غزيت) وبطلة القصّة (علياء) زوجة أبي زيد -أول امرأة تتمرد على الولاية بدون هاشتاق-! والقصة باختصار أن ديار بني هلال في الجزيرة العربية أجدبت وشحّ الماء والكلأ حتى كادت مواشيهم أن تهلك بعد أن استمر القحط لسنوات، وهنا اتفقت القبيلة أن ترسل أحد فرسانها بمهمة استكشافية عله يجد مكاناً ينقذهم من القحط، وسار الفارس فعلاً بعد أن ودّع زوجته حتى وصل تونس، هناك وجد ما كان يبحث عنه، ووجد أيضاً ما لم يكن يتوقعه! ما يبحث عنه هو المكان الذي يتمناه أي بدوي، أما ما لم يكن يتوقعه فهو أن يقع أسيراً دون ذنب، أو ذنب ليس ذنبه، فملك تونس قد رأى رؤيا من قبل أن هنالك فارسا سيأتي إلى بلاده وسيكون مقدمة لأفواج تتبعه وتسلب الأرض والمُلك منه.
أصبح أبو زيد في الأسر مدة طويلة وبعد مجموعة من الحيل استطاع الخلاص من الأسر، وأرسل إلى قبيلته بأن يلحقوا به، لكن في فترة غيابه الطويلة عادت الأمطار إلى مضارب قبيلته، ولم يكن لبشراه ذلك الصدى الذي كان يتمناه، مع ذلك قررت القبيلة اللحاق بفارسها، لكن زوجته لم تجد مبرراً للرحيل لانتفاء سبب الرحيل، فكانت تأمل أن يعود هو ليعيش معها في موطنها الذي عادت إليه الحياة، ولهذا (غرّدت) بهذه المقولة التي أصبحت مثلاً يسير به الركبان.
انتهت القصة الأسطورية وسأحاول مجدداً (سعودتها) مع حفظ الحقوق للعمة علياء، وليس لي أي موقف مع السعودة ولا مع علياء، أنا فقط أتساءل عن طريقة تفكير (الفرسان) الذين يغزون بنفس الطريقة ثم يفشلون ويعيدون نفس الطريقة الفاشلة أيضاً، فقد فشلت من قبل سعودة سوق الذهب، ثم سعودة سوق الخضار، وعشرات الـ(ثم) حتى نصل إلى سعودة سوق الجوالات -التي أتمنى أن تحدث معجزة ولا تفشل - وهذا لا يعني أن السعودة بذاتها مستحيلة، لكن تكرار الطريقة التي فشلت من قبل أمر محيّر فعلا، معالجة مشكلة من خلال تغيير واجهتها فقط طريقة فاشلة، العامل أو البائع ليس إلا جزءا من سلسلة طويلة معقدة وليس هو كل المشكلة بذاتها، قد يكون فعلاً هو الجزء الظاهر من المشكلة، لكن إذا أرادت الوزارة فعلاً إنجاح فكرة السعودة فعليها النزول إلى الميدان، ليس فقط لمعرفة احتكار العمالة للعديد من الأنشطة، بل لمعرفة سبب عزوف الشاب السعودي عن هذه الأعمال بعيداً عن الأعذار الجاهزة لكسل الشاب السعودي، العذر الذي يردده رجال الأعمال لحاجة في نفس أرصدتهم، ففي الميدان ستعرف الوزارة حجم المشكلة، وأن حلها ليس بتغيير البائع من أجنبي إلى سعودي.
في هذه الحالة وعند معرفة ضخامة المشكلة قد تيأس الوزارة من المحاولات التي لم تتجاوز الهدر المالي منذ سنوات، أو على الأقل تجرب طريقة جديدة، ولا يهم فشل الطريقة الجديدة، المهم أن نجرب على الأقل في كل مرة طريقة جديدة علنا نقضي على كل الطرق الفاشلة، ونصل يوما ما إلى طريقة يمكن أن تنجح على الواقع لا على الورق فقط!