يعود الطلاب إلى استئناف عامهم الدراسي في وقت يتزامن مع حلول ذكرى عظيمة علينا، وهي ذكرى توحيد اليوم الوطني الـ86 للمملكة العربية السعودية، وخلال 10 أيام بين بدء العام الدراسي وحلول اليوم الوطني، استمعنا إلى كلمتين من معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى، تحمل كل واحدة منها تحفيزا للطلاب بجميع مستوياتهم، ولمسؤولي التعليم بمختلف وظائفهم، ويعلق في كلمتيه الآمال على الأمانة في تأدية العمل والاجتهاد في النشء الذي تسخر له جهود حكومية وإدارية عظيمة، لأجل الوصول إلى مستويات عالية ومُرضية من الطموح الذي تسعى إليه الوزارة وتنشده القيادة.
نوّه العيسى إلى أن الوزارة حريصة على تطبيق رؤية 2030 خلال طرح عدد من المبادرات التي تدخل ضمن خطة برنامج التحول الوطني 2020، وهي تبذل في سبيل تحقيق هذه المبادرات والخطط المستقبلية كثيرا من الجهد والمال والآمال. ولكن الواقع الذي يحتاج إليه التعليم والطالب الذي توجه إليه العملية التعليمية برمتها أكثر عمقا مما يقدم.
نتفق على أن النجاح في المخرجات في أي عملية تنموية يجب أن يقوم على أساس قوي من المدخلات، وتتم معالجته بحرفية عالية.
المثلث الذي يقوم عليه التعليم العام بشكل خاص هو: الطالب – المعلم – المنهج الدراسي. وسأتناول كل واحد منها بنقطة واحدة على سبيل المثال لا الحصر.
فيما يتعلق بالطالب، فإن وزارة التعليم قررت في تعميم سابق لها زيادة معدل ساعات النشاط المدرسي اللامنهجي، ليصبح 4 ساعات أسبوعيا بعدما كان ساعتين فقط، وذلك ضمن إطار زمني محدد.
النشاط الطلابي اللامنهجي، والذي ينبغي أن يقوم عادة خارج الصف يسهم كثيرا في بناء شخصية الطالب و"الطالبة" ونموهما السلوكي والمعرفي.
النشاط الطلابي يهتم برعاية الفعاليات والمناسبات الوطنية والعالمية، وإشراك الطلاب في الألومبيادات العلمية المختلفة في الداخل والخارج، وفيما استحدث مؤخرا من مشاركات مسرحية ووطنية.
عادة هذه الفعاليات والمناسبات يبادر للمشاركة فيها الطلاب المميزون والموهوبون، وتبقى نسبة كبيرة منهم في المدارس تمر عليهم حصص النشاط المدرسي كالعبء الثقيل على المعلمين وعليهم، وتنقضي ساعاتها هدرا في تدوين ورقي لإثبات الحضور، دون جدوى من تحقيق أهداف النشاط المدرسي المرجوة.
نقترح لاستثمار وقت النشاط المدرسي، أن توضع له خطة سنوية ملزمة التنفيذ في إطارها العام، ومرنة في محتواها، يعدها طلاب المدرسة مع مشرف النشاط المسؤول والقادة في المدارس، تتنوع بين الرحلات المدرسية، واستضافة المؤثرين في المجتمع باختيارهم، وتبني أفكار الطلاب ومبادراتهم مهما كنت بسيطة أو غريبة.
وبالإمكان لاستثمار حصص النشاط المدرسي، الاتفاق مع مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة لتنفيذ مبادراتها الاجتماعية في المدارس، بما يفيد الطلاب تنمويا واجتماعيا ونفسيا.
الضلع الثاني في إنجاح التعليم هو المعلم "المعلمة". وحتى لا نبتعد كثيرا عن النقطة التي تتعلق بالطالب أعلاه، فإن المعلم هو من تقوم عليه جل العملية التعليمية، يخطط للمنهج في البدء، ويعد الدروس وينفذها، ويتابع تقدم الطالب ونتائجه، ويبتكر في الأساليب التعليمية والإرشادية لعدد من المناهج وعدد غير محدود من الطلاب، وينفذ الإستراتيجيات المطلوبة والتعاميم المتوالية.
ومع توليه زمام تدريس المناهج المقررة، فإنه يكلف بعدة أعمال أخرى كالمناوبة اليومية، ودخول حصص الاحتياط، وتنفيذ الأنشطة المختلفة التي تقوم عليها المنظومة التعليمية، كالإشراف على الإذاعة المدرسية، وأعمال الإعلام التربوي، والجودة الشاملة، وغيرها من التفاصيل التي ينفذها المعلم من وقته وماله الخاص، ويعلمها جيدا مسؤولو التعليم.
كل هذه الأعمال الإضافية، مع النصاب المرتفع للحصص الدراسية، تشتت المعلم، وتستنفذ جهده الذي ينبغي أن يكون موجها إلى الطالب، وللعمل على المادة الدراسية.
نقترح أن تعمل الوزارة على أن تُخرج المعلم من دائرة الأعمال الإضافية التي تسند إليه، وتوكلها إلى موظفين مختصين، وشركات أمنية مختصة بالمناوبة خلال اليوم الدراسي الكامل، وتمنح المعلم المرونة الكافية ليقوم بعمله، ويضع منهجه الخاص بما يتناسب مع الشريحة الطلابية التي يقوم بتدريسها، ووفق ما تحتاج من مهارات تعليمية وتربوية.
الضلع الثالث في العملية التعليمية، هي المناهج الدراسية. وقد وضعت المناهج الدراسية وفق سياسة التعليم في المملكة، والتي وضعت منذ سنوات طويلة، وتحتاج أن تعاد صياغتها مجددا بما يتناسب مع رؤية المملكة 2030، مع التأكيد على القيم التي نحرص على زرعها في نفوس الأجيال، خاصة القيم الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم وسيرة النبي الكريم، والتي تؤكد على السلام والوسطية والاعتدال، والتأكيد أيضا على قيم المواطنة، والحفاظ على الوطن، وحماية أمنه ومقدراته، والخروج بمعنى الوطنية من ثوب الاحتفالات الشكلية الفضفاضة إلى واقع الطلاب بمناهج وبرامج خاصة، تربوية وأخلاقية وعلمية. كما أن المناهج يجب ألا تتكرر في مراحل الطالب الدراسية أكثر من مرة، وأن تبتعد عن المقررات التي تقوم على الحفظ والتلقين، وأن تؤلف مناهج خاصة بتعليم الفلسفة والتفكير النقدي والإبداعي، والقيم الأخلاقية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وأساليب التخطيط والقيادة.
ولا بأس أن تفرغ مناهج التاريخ أو ما يعرف الآن بالدراسات الاجتماعية والوطنية من ذكر الغزوات والحروب التي حدثت في الماضي، وتُترك لمن يريد التخصص في التاريخ الإسلامي مستقبلا، حتى نتجاوز أزمة فهم الدين الإسلامي التي نعيشها في هذه الفترة.