لا شك أن قلب أم المفحط كنج النظيم يستحق الدعاء بالجبر، لكن هناك قلب آخر ربما نسيه من سعوا لإخراج هذا الفتى من السجن والتمهيد لهذا الخروج بعرض لقاء تلفزيوني يعلن فيه توبته. هذه الأم هي التي قتل ولدها ذات يوم هذا المفحط والذي طالب الادعاء بالقصاص منه بتهمة قتل نفس، لكن القاضي قرر أن عشر سنوات كافية ثم خففت إلى ست، ثم لأنه حفظ القرآن خرج في ظرف سنة لتتحقق عبارة القاتل يقتل ولو بعد حين.
لهذه الأم أيضا خالص مواساتنا في فقيدها المراهق الذي لا شك عاد بقوة إلى ذاكرتها مع مقتل قاتله بنفس الأداة وبنفس الجريمة.
إن هذه القضية وخيوطها والحكم فيها وخروج هذا المجرم بكل هذه السهولة، ثم هذا الانتهاء المفزع مدعاة حقيقية لمراجعة قوانيننا وأحكامنا ليس في قضايا التفحيط، بل وحتى في غيرها والتي بات من الواضح أنها مستغلة من قبل المجرمين والمخربين والذين يعتبرون حفظ القرآن والتباكي أمام الشاشات أداة جيدة للخروج وعمل جرائم أبشع أكبرها جرائم الإرهاب وأهمها تعذيب طفلة حتى الموت.
إن إعادة مرتكب الجريمة في كل دول العالم تخضع إلى برامج نفسية واجتماعية يعدها علماء في النفس والاجتماع والقانون، وبعض هذه البرامج تستثني بعض المجرمين من الخروج نهائياً مثل المعتدين على الأطفال، حيث تذكر الدراسات عدم قدرتهم على التوبة والاستقامة، لذا يدرس الآن توقيع عقوبات كالإخصاء عليهم، فكيف ينال مثل هؤلاء أحكاما مخففة ويخرجون بعد عام واحد أو يحاكموا بثلاث أو أربع سنوات في السعودية ثم يخرجون بمجرد حفظهم للقرآن.
لقد ثبت في الأثر أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وهذه إشارة واضحة إلى وجوب الاعتماد على سلطة الحاكم وعدم الاعتماد على مجرد الوعظ بالقرآن وما يظهره الأشخاص من القرب من القرآن، فكثيرا ما يستخدم ذلك لإعطاء صورة غير حقيقية، فكيف جعلنا مجرد حفظ القرآن وسيلة وعيارا تحدد صلاح الشخص وتناسينا أهمية أمور كثر.
إن من قتل هذا الشاب بالدرجة الأولى هو التساهل في معاقبته وجعله يدفع ثمن جريمته، هذه الحقيقة حتى لو تجاهلها البعض.