بالأمس احتفلت المملكة حكومة وشعبا بيومها الوطني السادس والثمانين، في أمن ورخاء واستقرار وازدهار. وكان الله قد منّ عليها قبل أيام قلائل بالاحتفال بعيد الأضحى المبارك وبنجاح موسم حج هذا العام، وبالقبض على خلية إرهابية تترصد الوطن والشعب والأمن والمقدرات، فلله الحمد على هذه الأفراح المتتالية والسعود المتعاقبة.

لقد شاء الله، بمنّه وكرمه، أن يختم للمملكة عام 1437 بالأفراح والليالي الملاح، وهكذا تكون الخواتيم حين يحسن العمل، فما هذه الأفراح والأعياد إلا ثواب الصابرين المحتسبين في خدمة الدين الإسلامي وقضاياه وشعوبه، وما هي إلا جزاء الساعين على خدمة الحرمين الشريفين ورعاية ضيوف الرحمن في كل موسم وتحت كل ظرف، فلله الحمد والشكر.

والمملكة وشعبها الأبي إذ تحتفل بهذه المناسبة البهيجة ترفع أسمى آيات التهاني والتبريك إلى مقام الوالد الغالي خادم الحرمين الشريفين؛ الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، وإلى ولي عهده الأمين؛ راعي الأمن الشجاع الأمير محمد بن نايف، وإلى ولي ولي العهد؛ حامي حدود الوطن الأمير محمد بن سلمان، أدام الله أفراحهم، وسدد رميهم، ونصرهم على أعدائهم.

والشعب السعودي يعي تماما مسؤولياته الأمنية التي تبرهن على سروره وسعادته بهذه الانتصارات المتعاقبة، ويدرك كل فرد فيه أنه رجل أمن وأنه جندي أمين، يحمي وطنه من العبث والفوضى أيا كان مصدرها؛ لأن العدو قد لا يكون من الخارج، فعلينا جميعا أن نفتح العيون ونشهر السيوف في وجه كل معتد أثيم، حتى ولو كان من أهلنا وخاصتنا؛ لأننا ندرك أن العضو الفاسد في الجسد قد يفسده إن لم يبتر نهائيا.

نحن جميعا أمام مسؤوليات جسام، بها يتحقق شكر النعم، فالاحتفال بالوطن إنما يكون بحفظ نعمة الأمن لا بخلق الفوضى، ومن ثم لا بد أن تكون مظاهر الاحتفال بالوطن لائقة به وبانتصاراته العظيمة، وذاك ما لا تحققه الفوضى والتفحيط وتحطيم المنشآت. لذا فإن من مسؤوليات المواطن الصالح أن ينشر الوعي بين أبنائه وأهله ومحيطه الاجتماعي لتكون أعيادنا خالية من الحوادث والاعتداءات، ومن واجبه أيضا أن يبلغ عن الأعداء المتخفين ممن يناصبون الوطن العداء، ويسعون إلى تمزيق لحمته وإلى الإضرار بمنشآته أو النيل من حماته المخلصين من رجال الأمن والعلماء والمفكرين، والضرب على كل هؤلاء بيد من حديد.

ثم إن من واجبنا تجاه الوطن، ومما يترجم حبنا له أن نقف للمفسدين المتلاعبين بمقدرات الوطن، وأن نحاسبهم ونقتص للوطن منهم، لأن السفينة التي تحملنا وإياهم واحدة، ولا بد أن نحرسها بأعيننا وقلوبنا، وهنا تأتي أهمية وعي المواطن المالي، فالحفاظ على الاقتصاد الوطني مسؤولية الجميع؛ صغارا وكبارا، لذا لا بد من الاسترشاد فيما متعنا الله به من النعم، ولا بد من نشر الوعي بين الأسر بأهمية ذلك، ومثله يكون وعي الموظف في القطاع الذي يعمل فيه بأهمية الإبلاغ عن المتلاعبين بمقدرات الوطن أيّا كانت رتبهم وصلاحياتهم.

ومن واجبنا تجاه الوطن أن نعمّره بالعلم والعمل؛ فإذا كانت الدولة، مشكورة، قد ارتأت أن تمنح المواطنين إجازة للاحتفال، فإن هذه الإجازة يجب ألا تعطل مسيرة العطاء، وألا تشلّ الأيدي عن العمل لاحقا، ولا بد أن يعي الطلاب أهمية العودة إلى مقاعد الدراسة وعدم التهاون في ذلك، بعد الاستمتاع بالإجازة، لأن الوطن بحاجة إلى كل عقل وكل ساعد في بنائه ونهضته، وعلى المعلمين وأرباب العمل توعية الجميع إلى أهمية ذلك كله.

ولا بد أن نستشعر ونحن نحتفل باليوم الوطني حجم التضحيات التي قام بها المؤسس العظيم؛ الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ومن خلفه من أبنائه الكرام، طيب الله ثراهم جميعا، وما بذلوه من جهد وطاقة لتكون هذه الأرض الممتدة على مساحة الجزيرة العربية وطنا موحدا آمنا، يضم الجميع ويفتح صدره للعالمين، وأن نحافظ على هذا الوطن، وأن نحفظه من كل عدو متربص. وهكذا نكون قد أحسنّا شكر النعم ووعينا بواجباتنا التي بها يكون احتفالنا بالوطن بنّاء ومثمرا.