أصدقائي وحرافيشي... تحية تسبق أما بعد:

غبت عنكم لبضعة أيام فوق الأسبوعين. هي الفترة الوحيدة في كل حياتي التي لم أصافح فيها أحدا ولم يجبرني أحد أيضا على العناق. أجمل ما كان في هذا (العنبر) أنني لم أغسل يدي كالعادة مع بدء كل طعام فاليد التي لا تصافح لا تخشى الفيروس، والخد الذي لا يعانق لا يحتاج إلى عطر أو مزيل رائحة. في العنبر (161) أعطوني قلما ولكن بلا أي ورقة وربما كانت هذه وصفة الطبيب للإقلاع عن الإدمان. كتبت أسماءكم على ظهر كفي الأيسر وتركت باطن الكفين لكتابة بقية الذكريات، أما ظهر الكف الأيمن فقد كنت مضطرا لإبقائه خاليا بلا نقطة سوداء واحدة كي أبرهن على بياض سجلاتي، بوصف هذا الظهر من الكف هو الوحيد المتاح كي تراه الأعين في زمن العنبر. وأرجو ألا تذهب بكم الظنون في تفسير (العنبر) فقد يكون أي شيء، وللغة في المفردة الواحدة بضع معان وتشكيلات، ومن سوء الحظ أن (العنبر) لا يحتمل الضم والكسر والشد ولا حتى الرفع والجزم، وإلا لكنت قد بعثت لكم إشارة تشكيل تشرح لكم (عنبري) بشيفرة سرية. ومن العنبر (161) أكتب لكم على كفوفي حاملا معي كل محاذير الحبر والجلد. إن قلت: لم يكن الماء يلمس كفوفي، قالوا: هذا لم يكن يتوضأ في العنبر. إن رددت بفسحة (التيمم) قالوا: هذا مبتدع، وإن قلت: إنني لم أستحم لأسبوعين قالوا: هذه (قذارة)، في مجتمع يظن أن نظافة الجلد أهم من نظافة اليدين ومضغة القلب. أفضل ما كان في حياة العنبر أنها كانت بلا جنابة. في نهاية الأسبوع الأول جاء امتحان حسن النوايا في السؤال: لك خيار واحد وحيد فماذا تريد كي تقرأ؟ تفتق (الجان) الذي يسكنني عن فكرة من قمة عبقر: أريد أن أقرأ تشكيلات السحب في ساعة العصر.. أو تدرون لماذا؟ كي أخرج في الهواء الطلق مرة ثانية في اليوم. لأن السحب أيضا تشبه وجوه (حرافيشي) التي تتشكل في اليوم الواحد بألف صورة ووجه. لأن السحاب هو المخلوق الإلهي الأعلى بين وفي سلم كل المخلوقات في نعمة الحرية. لا يفنى ولا يقطع ولا يستنزف ولا يعترضه جبل أو شجرة أو حتى سلسال أو كلبشة. تمطر السحابة أين تشاء، وفي العادة تصب خيرها على الأماكن ذاتها التي أمطرت عليها بالأمس، وكل أمس، وغدا، وكل بعد غد. كنت واثقا أنها لن تمطر على (كفوفي) لأنها لم تفعل ذلك معي منذ 50 سنة فكيف تمطر على عنبر لا يحتاج ساكنه حتى إلى غسل جنابة. وذات مرة وأنا أقرأ السحاب قال لي الرقيب: بماذا تتمتم ولماذا هذه السرية فلا تجهر بما تقول؟ قلت له: كنت (أسبح الله) فأجاب: ولكنك لم تطبق الشفتين في حرف (الباء). قلت له: كنت (أستغفره) فرد فورا: ولكنك لم تطبق (الناب) على الشفة السفلى في حرف (الفاء). ذهلت من الإجابة: هل هذا سجان أم أنه ابن حفيد بنت خال سيبويه. أتذكر أنني دخلت العنبر (161) بعيد التحافي بطانيتي الثقيلة لغفوة شاردة من القيلولة. تشابهت واستوت لدي الأشياء حتى لم أعد قادرا على التمييز ما بين البطانية والسحابة. أسحب نفسي متثاقلا كي أتوضأ لصلاة الظهر. كنت خائفا أن يمسح الوضوء أسماء حرافيشي على ظهر الكف الأيسر. طالعت في كفوفي فلم أجد بها حرفا مما كنت قد كتبت. لا يوجد سحاب في الغرفة لأن السحاب لا يدخل من شباك العنبر. تمنيت لو طال وقت العنبر.. أقصد.. القيلولة.