نعمة الأبناء من أعظم نعم الله عز وجل على عباده؛ وهي نعمة تستحق شكر المنعم الواهب، فالشباب هم وقود الأمة وعدتها في حاضرها وأملها وفي مستقبلها، قال تعالى ممتناً على بني إسرائيل: (وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً). والمحافظة على الأبناء ورعايتهم واجب شرعي، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع، ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، فكلكم راع، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته" متفق عليه. وقال أيضاً: "ما من عبد يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" متفق عليه.
والمحافظة على الأبناء أمرٌ ذو بال خاصة في هذه الأيام أيام الفتن والمحن، والتي اختلط فيها الحابل بالنابل، وفسدت فيها بعض المفاهيم، وامتلأت عقولٌ بلوثات فكرية أضرت بالعقيدة والسلوك، وشَطَتْ أفهامٌ بأصحابها عن سواء السبيل فأخلت بالأمن وشقت عصا الطاعة وفرقت الجماعة وحملت على أهلها وبلدها السلاح.
وإن من المؤسف حقاً أن يتولى كِبر هذه الأفعال أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا يسوغون هذه الأعمال بأفكار مضللةٍ خارجةٍ عن الجماعة ليقع في أتون فتنتهم الشباب الأغرار ودهماء الناس.
وهذا يستدعي دوراً كبيراً من المجتمع بشتى طبقاته وفئاته لعلاج هذه الظاهرة وحماية الشباب منها ومن ذلك:
*تربيتهم على المنهج الحق وهو منهج الوسطية والاعتدال فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفاء، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس..) الآية. وقال صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" متفق عليه. فلابد من توجيه الناشئة إلى اعتناق هذه العقيدة الوسطية والبعد عن الغلو.
*ومن الأمور التي تحفظ الشباب من الأفكار الهدامة العلم الشرعي المبني على الكتاب والسنة وفهم علماء الأمة وانتهاج منهج السلف الصالح في التعامل مع القضايا والمستجدات، لأن العلم عاصمٌ من الضلالة وحامٍ من الغواية والوقوع في الفتنة، قال تعالى: (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها...) الآية. وقال الحسن البصري رحمه الله: الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها الجاهل. فأحوج ما يحتاج إليه الناشئةُ هو العلمُ الشرعي الصحيح، فبالعلم يميز المرء بين الحق والباطل ويثبت عند انقلاب المفاهيم، يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك إنما الفتنة إذا التبس عليك الحق بالباطل".
كما يتحتم تعريفهم بأن التلقي والحكم على الأشخاص وتشخيص الأحداث لا يُتلقى من شبكات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها فهي وإن كانت وسيلة تواصل إلا أنها ليست مصدراً موثوقاً به للتلقي، ومع ذلك وللأسف نجد بعض الشباب يجعلها مصدراً للحكم على الأشخاص وتشخيص الواقع.
كما ينبغي تحذير الناشئة من الحماس غير المنضبط، وأن يكون الحكم على الأشياء بعيداً عن العواطف ومجانباً للتشنجات، وأخذ الحقوق ورفع الظلم إنما يكون بالطرق المشروعة، والخطأ لا يعالج بالخطأ.
*وأيضاً: يجبُ تقوية جانب التوجيه والتثقيف بالحوار مع الشباب وعلى العلماء والدعاة والخطباء والآباء والمربين كفلٌ كبيرٌ من ذلك فلابد من النزول إلى الساحة بقوة عن طريق المحاضرات والدروس واللقاءات، ولا بد أن تتسع صدور العلماء والآباء للحوار الهادف وقبول النقد البناء واستيعاب الآراء واحترامها.
*ولابد من معاملتهم بالرفق واللين والمعاملة الحسنة، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شي إلا شانه.
ومن الأمور المهمة التي ينبغي العناية بها من قبل الآباء تجاه الأبناء انتقاء الصحبة، فالصحبة لها أثر كبير في تكوين فكر النشء، والمرء على دين خليله.. كذلك من المهم تحذيرهم من دعاة الباطل وأهل الشرور والفتن والجماعات الضالة المنحرفة الخارجة عن سبيل المؤمنين.
*وأخيراً شغل فراغ النشء بالمفيد وما يعود عليهم بالنفع ديناً ودنيا، وكما قال القائل:
إن الشباب والفراغ والجدة / مفسدة للمرء أي مفسدة
إن أمن الوطن لا مساومة عليه وهو مسؤولية يشترك الجميع في حفظها، وإشاعة قيمة الأمن وتعزيز روح الجماعة وغرسها لدى الناشئة والشباب مهمتكم ومسؤوليتكم، ومن لا يعي ذلك فهو مقوض للبناء.