عمرو طلق زوجته التي أنجبت له نصف درزن من الأولاد، بعد أعوام عديدة من الزواج، بسبب استحالة العيشة معها لحدة طباعها وعدة مشاجرات، وهو يتألم من الداخل على مستقبلها ومستقبل أبنائه، مبينا أن الطلاق وقع بعد أن رفعت صوتها عليه عاليا مذكرة إياه بأن أباها وإخوتها سوف يوفرون لها ولأبنائها حياة أفضل من تلك التي يوفرها لهم، رغم أنه ينفق عليها وعلى أبنائها ما يجعلها تعيش رغد العيش.
يضيف عمرو أنها ما إن وصلت منزل أبيها حتى بدأت إجراءات التقاضي بشأن النفقة والسكن، رغم أنها لو طلبت مني ذلك لأجريت لها ما تريد دون محاكم، ولكنني تركتها حتى تعرف الحقيقة المرة بنفسها، كدرس لها يمكن أن تستفيد منه، وبعد شهرين فقط، علمت وأنا أتابع حالتها وحالت أبنائي، أنها مصدومة من مستوى المعاملة التي تتلقاها من والديها وإخوانها وأخواتها، وأنها بدل أن تحصل على شقة كما كانت تتصور في بيت والدها، لم تحصل إلا على غرفة، وأن التذمر من أبنائها بدأ بعد يوم واحد من طلاقها فقط، وأنها بدأت تعاني من مشاكل عاطفية ومالية واجتماعية وصحية، وأن الأبناء تخلفوا دراسيا، وعلمت أن توقعاتها ما هي إلا أضغاث أحلام.
ماذا فعل عمرو؟ يقول بعد أن أيقنت أنها أدركت خطأها، ذهبت لوالدها وقلت له أرجو أن تنسى قضايا المحاكم، فلها منذ الآن ما تريد، فنصف المسكن لها، وما تريد من المال شهريا، ولها السائق والسيارة، ومصاريفها الشهرية الأخرى، على أن يتنّقل الأبناء بيننا دون حواجز، ودون مشاكل، فوافق أبوها ووافقت، وهاهي تعيش بكرامتها مع أبنائها بسعادة، مع ترك الفرصة لها مدة من الزمن، حتى تقرر فيما إذا كانت ترغب بالعودة، لعش الزوجية مرة أخرى.
وأقول يا لمروءة عمرو، جعل من الطلاق حلا، كما أراد الله، كما هو حال الكثير من أمثاله من أصحاب المروءة من الرجال، ولم يجعل من الطلاق مشكلة تتجرع المرأة وأبناؤها آلامها، كما يفعل البعض، حيث ينتصر ممن فقد المروءة لنفسه، إن كان محقا أو غير محق، وينتقم من المرأة ومن أبنائها مستفيدا من نصرة المجتمع له، من ناحية، ومن طول إجراءات التقاضي وتنفيذ الأحكام في القضايا الزوجية من طلاق ونفقة، من ناحية أخرى.
أبناء عمرو وأمثاله في مأمن بإذن الله من المشاكل الزوجية، وهم مشاريع نجاح لا مشاريع مجرمين، كما هو حال من يطلق المرأة وأبناءها معا، ويحرمهم حقوقهم. ولكن هل تكفي مروءة عمرو وأمثاله لحماية المرأة وأبنائها؟ بكل تأكيد لا.
فهناك من هم يرون أن عمرو رجل ضعيف، وعليه إن كان رجلا أن يلقن المرأة درسا لا تنساه بالزواج عليها من أخرى، وطردها وأبناؤها وحرمانها من النفقة والتهرب من حضور الجلسات، وعدم تنفيذ الأحكام والادعاء عليها باستمرار بأنها امرأة غير صالحة، لا تصلح لتربية أبنائه. وهكذا والقصص المؤلمة كثيرة ومبكية، وهؤلاء بكل تأكيد لا يمكن أن يرجعوا إلى رشدهم ويعطوا المرأة المطلقة وأبناءها حقوقهم إلا إذا كان المجتمع ذا مروءة، فهل نحن مجتمع ذو مروءة تجاه النساء المطلقات وأبنائهن ومن في حكمهم؟
للإجابة، يجب أن نعرف معايير مروءة المجتمع حيال النساء المطلقات، ومن في حكمهن وأبنائهن، وبظني أن قدرة المجتمع على إعطائهن وأبنائهن حقوقهن في حال طغيان الزوج عليهن وأبنائهن بأسرع وقت؛ هو المعيار الأول، ثم يأتي بعد ذلك نظرة المجتمع لهن ولأبنائهن، ثم مدى تعاون المجتمع معهن لتربية أبنائهن التربية السليمة، ودعمهن نفسيا لاجتياز محنة الطلاق، وآثارها السلبية.
أعتقد أن هناك اعترافا بأن البيئة العدلية بمحوريها الأساسيين (التشريع والقضاء) لا تنصف المرأة المطلقة وأبنائها في الوقت المناسب، ولقد امتدت بعض القضايا لأكثر من عقد من الزمان، لتحصل على فتات من حقوقها الشرعية، وكلنا يعلم ماذا يفعل عقد من الزمان بالمرأة وأبنائها، أيضا مجتمعنا قاس جدا على المرأة المطلقة وظالم لها، ولقد أثبتت الدراسات أن المجتمع السعودي ما زال ينظر إلى الطلاق على أنه سلوك غير مقبول اجتماعيا بالنسبة للمرأة، وهي ملامة على الطلاق أيا كانت الأسباب، كما أن المجتمع لا يقبل على الزواج من المطلقة، كما أثبتت الدراسات أن أهل المطلقة لا يتحملونها وأبناءها، فكل مشغول في نفسه وأبنائه ولذلك تجد عددا كبيرا من المطلقات لا يستطعن تقديم التربية الحقيقية لأبنائهن ويتحولن إلى عالم الاستجداء في ظل ضعف ما يُقدم لهن من مساعدات مالية لا تكفي لمتطلبات الحياة. إذاً ما هو الحل؟
قد يكون أحد الحلول ما صرحت به الأميرة سارة بنت مساعد رئيسة مجلس إدارة جمعية "مودة" التي تعنى بالاستقرار الأسري والحد من الطلاق وآثاره، بشأن إطلاق مبادرة "الحاضنة القانونية" التي تستهدف تأهيل محاميات للمساهمة في رفع الكفاءة العدلية في القضايا الزوجية والأسرية، وما أعلنته بشأن قيام الجمعية بإعداد خطة توعية للتعريف بأسباب الاستقرار الأسري، والحد من الطلاق وآثاره خطوة رائدة بالاتجاه الصحيح، وهي خطوة تشير بصورة واضحة أن المجتمع ومن خلال مؤسساته المدنية عازم على رفع مستوى مروءته حيال المرأة وأبنائها لما فيه خير المجتمع والوطن بإذن الله، وكلي أمل ورجاء من المعنيين المهتمين والميسورين من مؤسسات وأفراد مساندة جهود الجمعية التي انبرت لتمثيلنا في هذه القضية خير تمثيل. قد يكون هذا جيداٍ لكنه لا يكفي ولا بد من دراسة جدية من المؤسسات المعنية وقيام نظام مؤسسات المجتمع المدني التي تقدم ما يكفل القضاء على كثير من مشاكل مجتمعنا.