قبل مدة نشر الفنان الممثل الكوميدي اليمني علي الحجوري على صفحته مقطع فيديو عن حسينية للطم، والبكاء، والعويل، وتخزين القات في تعز، وعلق قائلا "أرأيتم، هذا ما حذر منه العقلاء في هذا البلد (حسينية) في تعز.. هؤلاء لديهم مشروع ظلامي سيعود باليمن مئات السنين إلى الوراء.. هذا وعادهم ما قد سيطروا...يا رب عجل بالفرج".
في الواقع لم يمر اليمن عبر تاريخه الديني بمثل هذه الحالة من التردي وفقدان التوازن الفكري، فقد كان اليمن السعيد على الدوام مكانا مشعا للعلم والمعرفة وتصدير ثورة الحضارة الفكرية والفنون إلى العالم من حوله لا ثورة المذهبية الدينية، والحسينيات والزينبيات، على غرار ما يحدث فيه حاليا، من محاولات مظلمة مستميتة، لطمس هوية اليمن الدينية الإسلامية والمعرفية التاريخية، ودوره الريادي على مدى أكثر من 1400 سنة، إذ لم تشذ اليمن فكريا، ولم تتبع لأية مدرسة دخيلة، بل كان لها مدرستها الدينية الخاصة، التي عُرفت بالزيدية، وهي مدرسة دينية مسالمة لها أدواتها وفكرها المتوسط بين المذاهب، تعايش معها ملايين البشر داخل اليمن على اختلاف مذاهبهم، الشافعية والمالكية والحنبلية، ولنا مثال في العلامة الإمام محمد بن علي الشوكاني، وكتبه التي يتم تدريسها في جامعات العالم العربي والإسلامي على اختلاف مذاهبها، وتلاقي فتاواه ورؤيته الدينية استحسانا كبيرا في الأوساط الدينية العلمية، ويستدل ويستشهد بها في مواضع كثيرة، وهو دليل كبير على قوة الفكر الإسلامي في اليمن، ويعتبر الشوكاني منارة مضيئة في التاريخ اليمني.
أما الزيدية لمن لا يعرف، فإنها لم تعرف اللطم وطقوس الحسينيات الفارسية في تاريخها، ولم تأخذ من التشيع سوى محبة آل البيت، وبعض الاختلاف في حركات الصلاة كالضم والإسبال، وبعض الأشياء التي لا تكاد تذكر كاختلافات مذهبية جوهرية، حتى سميت الزيدية "سنة الشيعة".
لكن ما يسوق له ملالي إيران عبر أزلامهم الحوثيين في اليمن، هو بحق جريمة في حق المجتمع اليمني وإنسانه، وحالة غير مسبوقة من الانهيار الفكري، وارتداد إلى الخلف، سيجعل اليمن يتخلف قرونا عن البشرية.
بينما قال المدون والكاتب عصام القيسي على صفحته أيضا "سؤال للمتعاطفين مع الحركة الحوثية من المثقفين وخريجي الجامعات، هل وجدتم في التاريخ الذي تعرفونه جماعة جمعت من القبح ما جمعته هذه الحركة؟ هل عرفتم في التاريخ جماعة جمعت هذه الصفات والأفعال؟ حركة مسلحة لا تؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان، تتبنى عقيدة عنصرية على بني قومها ودينها، تعطي لقبيلتها امتيازات خاصة في السلطة والثروة والمكانة، توظف الدين في تبرير أيديولوجيتها العرقية، وسلوكها العنيف، تستخدم أفقر الناس خيالا وعلماً وأخلاقاً في المجتمع للقيام بأعمال عنف، ترفع شعارات كاذبة بهدف استمالة البسطاء، أسقطت دولة، وأقصت شركاء، وانقلبت على اتفاقات، سرقت ثورة ضحى فيها الناس بالغالي والنفيس، وقتلت أحلام مئات الآلاف من الشباب المتطلع لحياة مدنية كريمة، أقحمت شعباً فقيراً في حرب زادته فقراً وجوعاً، مزقت النسيج الوطني والاجتماعي على أسس مذهبية ومناطقية وعرقية، حولت مناصب الدولة إلى مزرعة خاصة لعشيرتها العرقية، تراجعت في عهدها الأخلاق الكريمة وبرزت أخلاق الغابة".
الواضح من كلام القيسي، أن اللعب على وتر فقر المواطن داخل اليمن، هو محور التحرك السياسي والمذهبي، الذي تحاول إيران صبغ اليمن به عبر عملائها الحوثيين، بعد كل ذلك التاريخ المجيد، وجعل اليمن السعيد تابعا خانعا، لا منبرا للإشعاع والتنوير.
والواضح أيضا أن أحلام العودة السلالية التي ترى في نفسها تميزا على العالمين، هي المحرك الأقوى للوجود الإيراني في اليمن، تدفعها الأنانية وليس المصالح العامة للأمة اليمنية، عبر البحث عن المصالح السلالية الخاصة، باستخدام التيار الديني وطقوسه المختلفة للتأثير على الناس والاستحواذ عليهم، وتوجيه هذه القوة لخدمة مشاريعهم، وبالتالي القفز إلى السلطة واستعادة ما يرونه حقا إلهيّا لهم.
إن مثل هذه الحركات ومن يغذيها غالبا ما تنتهي بمجازر بشعة، والتاريخ يسرد بين طياته، كيف انتهت بقطع الرؤوس والسحل وأنهار الدماء.. وغيرها من أنواع الانتقام، فالمجتمعات التي يتم تضليلها، تنقلب على مضلليها بعد حين بطريقة بشعة، وتطبقه حرفيا على خصومها، ليس لأنها حاقدة، بل لأنها تحمل الظلام الذي تمت تربيته في أدمغتها على مدى حكم الطغم الفاسدة التي حكمتها.
وهذا التحرك يسمى تحرك الدهماء، فالدهماء هي الحركة الجماعية غير الواعية سوى لهدف واحد فقط لا ترى سواه، ولا يعنيها خطأ كان أم صوابا، أو ما يترتب عليه من نتائج، لذلك تدهس كل ما ومن في طريقها من أجل تحقيقه، وهي من نتائج العقل الجمعي عديم القدرة على السيطرة على حركته، وهو الذي تتم تربيته وتغذيته في اليمن حاليا من قبل إيران والحوثيين.