بعد أن أعلنت مقاطعتها لموسم الحج هذا العام وحرمان شعبها والشعوب غير الفارسية داخل جغرافية ما يسمى بإيران من أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، بدأ النظام الإيراني بترويج الإشاعات تارة، واللجوء للتهديدات المباشرة وغير المباشرة تارة أخرى، بهدف إفساد موسم الحج وإرباكه.

قررت طهران مقاطعة الحج لأهداف سياسية محضة، فبعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاقية الحج صدرت الأوامر من "الولي الفقيه" برفض التوقيع ومغادرة جدة والعودة إلى طهران فورا. ذلك التغير المفاجئ في المواقف كان يهدف في المقام الأول إلى إرباك موسم الحج والتأثير على بقية الدول والشعوب الإسلامية، من خلال ماكينة إعلامية ضخمة سخرت كافة إمكاناتها وبلغات مختلفة، لهذا الغرض. من هنا، ومع اقتراب موسم الحج، شاهد وتابع الجميع الحملة الإعلامية الشعواء ضد المملكة التي شنها مسؤولو النظام الإيراني وعلى رأسهم الخامنئي وبقية رموز النظام والكتاب والصحفيين بلغة أقل ما يقال عنها إنها تتصف بالبذاءة والوقاحة والسفه. وقد ارتفعت وتيرة هذه الحملة المحمومة مع غرة شهر ذي الحجة لتصل إلى مرحلة أن القارئ لا يجد خبرا أو تقريرا في الصفحات الرئيسية للصحف الإيرانية ووكالات الأنباء التابعة للنظام والحرس الثوري إلا وقد هاجم السعودية وأطلق أبشع الأوصاف والعبارات ضد المملكة.

إن هذا الوضع الإعلامي والسياسي المنحدر أخلاقيا ومهنيا ودبلوماسيا من الجانب الإيراني يؤكد على حقيقة الأهداف الإيرانية تجاه بلاد الحرمين حكومة وشعبا، ومحاولة إلحاق الضرر بها بكافة الطرق والوسائل، لكن القيادة السعودية تركت للنظام الإيراني المهاترات الإعلامية واللغة السوقية وسخرت جهودها وإمكانياتها -كما جرت العادة- لخدمة ضيوف الرحمن والسهر على راحتهم وأمنهم وأدائهم النسك بكل يسر وسهولة. بعبارة أخرى، كان بإمكان السعودية معاملة إيران إعلاميا بالمثل إلا أنها ربأت بنفسها عن السفاهة حتى لا يخلط القارئ والمراقب المحايد بين الطرفين، وعملت الرياض طبقا لأبيات الإمام للشافعي يرحمه الله عندما قال:

 يخاطبني السفيه بكل قبح

فأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة فأزيد حلما

كعود زاده الإحراق طيبا

من هنا كان الرد السعودي غير المباشر على مزاعم طهران، ومحاولات تجييش دول العالم الإسلامي ضدها، على الأرض، فتحقق بفضل الله ثم بتوجيهات القيادة واحترافية العمل من قبل القطاعات المختلفة المشاركة في موسم الحج نجاح باهر على كافة الأصعدة وانسيابة كبيرة في تحركات الكتل البشرية من منى إلى عرفة ثم من عرفة إلى مزدلفة ثم الإفاضة إلى منى ورمي الجمرات وانتهاء بطواف الوداع، دون أي حوادث تذكر، بحمد الله.

هذه الحقيقة الماثلة على الأرض استدعت إلى الأذهان الدور الإيراني التخريبي في العديد من مواسم الحج خلال ثلاثة عقود ونيف، وأن غياب حجاج إيران وبخاصة من يقوم النظام الإيراني بإرسالهم إلى موسم الحج لأهداف لا تمت لأداء الركن الخامس بصلة قد كشف أكثر من أي وقت مضى ارتباط الأعمال التخريبية والمشكوك في مسبباتها بأهداف طهران تجاه موسم الحج لضرب السعودية في أهم ما تفتخر به وهو خدمة الحرمين الشريفين ورعايتهما وتحقيق الأمن والأمان لضيوف الرحمن خلال موسم الحج.

في نهاية المطاف، بفضل الله وتوفيقه، نجحت السعودية نجاحا باهرا ومشرفا في تسخير كافة الإمكانات لضيوف الرحمن ليخرج هذا الموسم في أبهى حلله، وفي الجانب الآخر فشلت إيران فشلا ذريعا في إقناع، ليس دول العالم الإسلامي فحسب، بل والشعب الإيراني أيضا بإشاعاتها ومزاعمها الكاذبة ضد المملكة وقدرتها على إدارة الحج، وانكشف للجميع مشروع طهران الرامي إلى تسييس شعيرة الحج التي قال الله سبحانه وتعالى عنها في محكم التنزيل "فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ"، وتحويلها إلى شعارات سياسية كاذبة وجدال عقيم وفسوق أيديولوجي وفكري مقيت، وتأتي الطامة الكبرى من رأس الهرم الإيراني عبر دعوته الحجاج للتوجه إلى كربلاء بدلا من مكة، فأي مرشد وأي فقيه وأي مرجع تقليد هذا؟!

لقد أبى النظام الإيراني إلا أن يفضح نفسه ورموزه أمام الجميع وتسقط ورقة التوت الأخيرة، "واللي ما يشتري يتفرج"، كما يقال.

الواقع أن الشعب الإيراني الجار يستحق أن يكون في حال أفضل مما هو عليه اليوم، فهل هناك من رجل رشيد ينقذ ما يمكن إنقاذه؟ الجواب يملكه الشعب الإيراني دون غيره!.