سُمي "عيدا" لأنه يعود كل سنة، قال تعالى: "إنه هو يبدئ ويعيد". لم ترد كلمة "العيد" في القرآن الكريم إلا مرة واحدة في سورة المائدة: "قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين".

عندما نستحضر موروث الشعوب، نلمح التفاوت أو التقارب في مظاهر الأعياد، من ناحية المضامين والقيم الجمالية والاحتفالية، ونمطيات السلوك المجتمعي، وتمثلها وكيفية التعبير والاستجابة لمثل هذه اللحظات الاستثنائية التي يعيشها كل شعب أو قبيلة أو بيئة.

في منطقة "عسير" عشت عيد القرية قبل أن ألمسه وأعيشه في المدينة، فقبل رفيف الفجر ينفرط من بين الجدران الطينية هديل الفرح ودعاء "التلبية" منسلا كأريج العطر ودفق السلسبيل من حناجر المهللين والمكبرين، وقد أورقت البهجة فوق رؤوسهم، المثقلة بالطهر واليقين، والمتمسكة بعرى الحياة والأمل، ينحدرون كالأفلاك من سفوح الجبال وبطون الأودية، وهم يعتمرون "المصانف" وأزاهير الريحان، كل العيون تحدق نحو "المشرق"، انتظارا لارتفاع الشمس "قيد رمح"، يؤدون صلاتهم ويصغون إلى خطبة إمامهم الذي لا يفتأ يجيل بصره في الوجوه المغمورة بإيمان الفطرة ونقاء السريرة، يختمها بالدعاء لما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، ينهضون كالديمة البيضاء ليتعانقوا في فرح مشبوب، فصدورهم مكتظة بالمحبة، مبتلّة بكوثر التسامح، تبدأ بعدها مراسم العيد وأولها "الدول"، حسب العرف المتبع في القرية، وهو زيارة بيوت القرية منطلقين بالترتيب إلى أقربها من "المصلى" المشهد، مرددين "من العايدين"، فيرد صاحب الدار "علينا وعليكم" أو "من الفايزين"، أو "من السالمين"، يوضع "صحن العيد" وسط المجلس والمعدّ من "البر والسمن والعسل"، ينصرفون من الدار قائلين "عاد عيدكم"، فيرد عليهم صاحب الدار "وعيدكم وحبيبكم يعود"، أو "وعيدكم يعود بحال طيب"، وغير ذلك من العبارات المشابهة، وقد توسع في شرح ذلك الصديق الدكتور "عبدالرحمن آل حامد" في كتابه "العادات والتقاليد والأعراف في إقليم عسير"، يحرص المضحي عند ذبح ضحيته على حضور أهل بيته، وتناول "لحمة العيد" مع الأقارب والجيران، بعد تقسيمها على ضوء الشريعة "الأكل، والصدقة، والإهداء"، كما تقوم ربات البيوت بتقطيع بعض اللحم وتجفيفه وتعليقه ويسمى "مشْرق"، والبعض يسميه "موشك" بعد تمليحه، ويبقى صالحا للأكل في ليلة "عرفة" من السنة القادمة.