يذكر ابن كثير أن مسلم بن عقيل -ابن خالة الحسين عليه السلام وهمزة الوصل بين الحسين وبين أهل العراق ومدبر مبايعة الحسين عليه السلام كخليفة- ألقى جندُ الدولة الأموية القبض عليه في منزل بالكوفة، ففر كل من حوله وتركوه وحده ليكتشف أن وعود أهل الكوفة كانت مثل سراب يحسبه الضمآن ماء، فاستأذن الجنود قبل أن يقتلوه أن يرسل رسالة إلى الحسين الذي كان في طريقه إلى الكوفة.
كانت الرسالة قصيرة، بدأت بـ"ارجع بأهلك" أي عد من حيث أتيت، فالناس الذين رجوك ألا تخرج ما زالوا عند وعدهم بحمايتك ما دمت بينهم، فلن يقفل أحد بابه في وجهك وستسيل دماؤهم قبل دمائك، ارجع إلى الحجاز. لكن الحسين لم يرجع، وحدث ما حدث.
لم يرفع أبناء الحجاز أو أحفادهم السعوديون راية للحسين لا في الحج ولا في غيره، ليس تقليلا من شأنه عليه السلام، ولكن لأنهم يعلمون ما وراء هذا المراء من استخدام اسمه وادعاء الحزن عليه، لإيقاظ فتن نائمة منذ 1400 عام، كما أن مناسبة كالحج قامت لله وعن الله وبالله، ولا راية فيها غير "لبيك اللهم لبيك".
لقد كانت مهمة السعوديون عظيمة في كل حج، محاولة منهم حماية الحج من الأهداف الطائفية والأفعال الشركية، تقربا لله عز وجل، وقد نجحوا دائما، ولم نشاهد راية واحدة ترفع في المشاعر المقدسة.
وهذا الموسم، رأينا كيف نظم السعوديون المسيرات دون رايات تشيع الفتن والأحقاد حتى مرت سحب الحجاج البيضاء مرددة ذكر الله عز وجل وحده، ليخيل إلينا ونحن في أقصى الأرض أن تلبية هذه المسيرات البيضاء تلبي حولنا وأمامنا باسم الله ولله وبالله.
إن هذه الرسالة التي حرص السعوديون على إرسالها من بيت لله للعالم الإسلامي خاصة، والعالم كله عامة، تحمل في مضمونها وحدة المسلمين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، حول توحيد الله عز وجل ووحدتهم هم، والتي عانى الإسلام بسبب تفرقهم حول مسائل كيدية لا طائل من النقاش أو الخلاف حولها.