ماري مسلمة جديدة بريطانية من خمسة آلاف فتاة بريطانية تدخل أو تفكر في دخول الإسلام سنوياً، ويثير الناس حولهن هذا الانجذاب نحو دين يقول إعلامهم كل صباح إنه الدين الذي يحتقر المرأة.

أي حديث مع ماري مهما كان طوله أو قصره ستتخلله عشرات المرات كلمة أختي مع اهتمام إنساني بالغ دون حشر نفسه في خصوصيات الآخر يجعلني معجبة بهؤلاء القادمين للإسلام من بيئة تقدر الإنسانية وتلتقي مع الإسلام في أخلاقياته، فتنتج شخصا سويا عاليا في فكره وإنسانيته وتدينه.

تقول لي ماري إنها دخلت الإسلام في السابعة عشرة من العمر، وتضحك وهي تقول لا أحد يتوقع ما قد يفعله المراهق البريطاني.

ذكرني دخول ماري الإسلام في هذا السن بدخول الأرملة البيضاء سامنثا لوثويت في الإسلام وهي أشهر إرهابية بريطانية مسلمة من العرق الأبيض والمتهمة الهاربة من قضية تفجيرات لندن، والمنظمة حديثاً لعصابة شباب الإرهابية في الصومال.

في آخر محادثة لي مع ماري سألتها أين ستصلين العيد؟ فقالت بسرعة كنت أصلي في مسجد شبر بوش، لكن قالوا لي إنه مسجد للسلفية، تراجعت أنا في مقعدي مع ابتسامة حزينة جداً، ففهمت هي بسرعة وصاحت "أعتذر يا عزة نسيت أنك سعودية ولا بد أنك سلفية".

في الحقيقة أني لم أحزن تجاه السلفية بقدر حزني على إدخال هؤلاء الشباب المسلمين الجدد في تصنيفاتنا التي نحاول نحن المسلمين الأقدم إخراج أنفسنا منها.

أحد شيوخنا الأفاضل الذي زارنا في لندن قبل أشهر وفد مع مجموعة من الزملاء على مسجد لأحد المذاهب السنية، وعرض كبادرة حسن نية وتعاطف أن يصلي بهم فبرز شاب إليه، وقال: "أنتم تكفروننا فكيف تصلي بنا، ونحن نكفركم أيضا"، صدم الشيخ وهمس "بضاعتنا ردت إلينا".

في الواقع أن ما يحدث اليوم لم تعرفه الأمة الإسلامية من قبل، فلقد كان العقل المسلم دائما قادرا على التقاط ما يراه حقا من بين كل المذاهب، وشجعه العلماء على ذلك، فتجد إشارة إلى اعتبار تفسير القرطبي مثلاً مرجعاً في كذا وكذا ماعدا الصفات، وتجد من يقول خذ من تفسير الزمخشري اللغة واترك غيره، وإذا قرأت للألوسي في تفسيره فتجاهل أنه يقول عن ابن عربي قدس الله سره، واستفد من واحة العلوم في تفسيره..

في الحقيقة أنك لو قمت بإخلاء مكتبة الدراسات الإسلامية والعلوم الدينية من كل كتاب ألفه رجل يخالفك في شيء فستنتهي إلى صفر كتاب وصفر مرجع، لأن الخلاف دائما موجود والتعامل معه بتحضر فكري كان دائماً موجودا فما الذي حدث؟

إن مسوقي خطابات الكراهية والتكفير لا يملكون غيرها، فالواحد منهم يعجز أن يلفت انتباه الناس إلا إذا أخبرهم أن هذا المذهب سيدخلكم النار، وأن ذاك المذهب يخطط لقتلكم وتدمير فكركم، ثم يتكئ وهو جالس ويقول قصة أو قصتين من كتب الوضاعين وخرافات الأفاكين فيصدقه العامة ويكره الناس بعضهم بعضاً.

إن عبارة مثل أهل القبلة على من عاداهم وحدت المسلمين، وسمحت بتبادل معرفي كبير صنع الحضارة الإسلامية التي يفخر شبابها اليوم بابن سينا وابن النفيس، ولا يعون أنهم يكفرون من يؤمن بما آمن به ابن النفيس وابن سينا.