في عالمنا اليوم، بات التنوع العرقي مصدر ثروة ثقافية وإنسانية، نحاول من خلاله معالجة اختلافاتنا وتجاهل مفارقاتنا، لنتحد ونستمر في ديمومة الحياة بسلام. إن فرض قوانين تجريم التعنصر ضد أي شخص بسبب لونه أو قبيلته أو عرقه أو جنسه أو دينه أو حالته الاجتماعية أو غيرها، لم يكن أحد سمات دساتير الدول المتقدمة فحسب، ولكن أيضا في موروثنا الإسلامي، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية، وجالس بلالا الحبشي وصهيب الرومي وعمار بن ياسر اليمني، والكثير من الأشخاص الذين اختلفوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم شكليا وعرقيا، إلا أن ذلك لم يشكل أدنى عائق في علاقته بهم. لم ينته التنوع العرقي في الحضارة الإسلامية بنهاية عهد الرسول، بل استمر وازدهر بعد وفاته حين اختلط المسلمون بالهنود والفرس واليونان وغيرهم، إلا أن واقعنا اليوم، وأخصّ بالذكر واقعنا الثقافي والإعلامي، يبدو أقل تنوّعاً في قضايا العرق والأصل القبلي عمّا كنا عليه في تلك العصور.
إننا نعاني من احتكار قلة عرقية أحيانا قبائلية على الوسط الثقافي، ولكن الأمر غير محصور في الخليج أو في الشرق الأوسط.
تنتقد وكالة الأنباء البريطانية عدم وجود مرشّح أسود أو حنطي واحد لجائزة الأوسكار هذا العام، حيث إن جميع المرشحيّن لجميع فروع الجائزة من ذوي البشرة البيضاء والشعر الأشقر، أضف إلى ذلك عدم وجود أي ممثلين أو صنّاع أفلام من ذوي الاحتياجات الخاصة في هوليود. تقول جودي كنج في فيلمها الشهير -الحنطي هو أسود اليوم-، "إذا كنت رجلا أشقر فهذا يعني أنك لست ضحية يا عزيزي"، وهي بذلك تشير إلى امتيازات الرجل الأبيض مقارنة بغيره كالعربي أو الهندي. إن معاناة السود في الانخراط مع الأعراق الأخرى أو المشاركة العادلة بالمحافل الإعلامية قد انتقلت أيضا للحنطيين وهم نحن العرب والإسبان والهنود ..إلخ. وتبقى دقة هذه الأحكام محل جدّل ما لم يكن هناك تعداد معياري لها، وهو ما نصّت عليه إحصائية بعنوان (امتياز الأبيض)، نشرها مكتب إحصائيات العمالة في أميركا مطلع 2010، بأن الرجل الأبيض يتقاضى أجراً أسبوعياً أعلى من المرأة البيضاء، وهي تتقاضى أعلى من الموظفين السود. وتهتم هذه الإحصائية برصد تأثير الجنس والعرق ولون البشرة في رواتب الموظفين الأميركيين، وذلك بالطبع يشمل المنخرطين في القطاع الإعلامي الثقافي.
قد تبدو الأمور أكثر يسرا حين نفكر بإعطاء السود وغيرهم من الأعراق والأجناس، فرصاً متساوية مع البيض للعمل بصناعة الإعلام العالمي، والحال أن أحداً لم يُعط هذه الفرصة حتى اليوم. وفقا لدراسة حديثة لصحيفة واشنطن بوست فإن 84% من مخرجي الأفلام الأميركية، هم من الرجال البيض. فيما تتوزع الـ16% المتبقية بين الإسبانيين والآسيويين والسود. تضيف الدراسة أنه حتى في المنتج الإعلامي الذي يتابعه الجمهور مسلسلا كان أو أغنية، فإن عدد المذيعين والممثلين والمطربين من غير البشرة البيضاء يبدو قليلاً ونادراً. من الواضح أن هناك محدودية في التنوع الثقافي ليس في مخرجات الإعلام العالمي فحسب، ولكن حتى في كواليسه وخباياه الأمر الذي يدعونا إلى القلق حول انبثاق أو ازدياد مشكلات التعنصر والانغلاقية.