تعرف الحرب الأهلية بأنها الحرب الداخلية في بلد ما التي يكون أطرافها جماعات مختلفة من السكان. وتكون أسبابها سياسية أو طبقية أو دينية أو عرقية أو إقليمية أو مزيجا من هذه العوامل.
وتتصف الحروب الأهلية بالضراوة والعنف وبالنتائج الاقتصادية والاجتماعية المدمرة على المدى القريب، والمؤثرة بعمق على المدى البعيد، لأنها تشمل مناطق آهلة بالسكان، وتكون خاضعة لهجمات متقطعة وغير منتظرة، فتشل الحياة الاقتصادية وتمزق النسيج الاجتماعي، ويحتاج المجتمع إلى عدة عقود من الزمن لإعادة البناء والتوازن والوئام.
وكثيرا ما تشكل الحروب الأهلية فرصة لتدخل الدول الكبرى أو المجاورة في مجريات الأمور الداخلية للدولة المعرضة لمثل تلك الحروب. ذلك أن وقوع مثل تلك الحروب يضعف كثيرا من سيادة الدولة، ويزيل التماسك الداخلي في وجه التدخل الخارجي، كما أن احتمالات التغير في موازين القوى داخليا قد تؤثر على الدول المجاورة سلبا وإيجابا، فترى بعض الدول في انتصار فريق على فريق تهديدا لأمنها، أو للتوازن في تلك المنطقة من العالم أو على صعيد أوسع. وقد تلجأ الحكومة إلى معاملة الفريق الثائر كطرف في حرب عادية وذلك بغية الالتزام بقواعد الحرب، كحماية الأسرى وتجنب محاكمتهم كخونة وعدم اللجوء إلى الأخذ بالثأر. وفي حين استمرت الحرب الأهلية الفنلندية -مثلا- في 1918 إلى 77 يوماً، دامت الحرب الأهلية الأميركية 4 سنوات، أما الحرب الأهلية في أنغولا فاستمرت 27 سنة، ودامت الحرب الأهلية في الفلبين 41 سنة.
ثمة تكهنات تفيد بأن إسرائيل لن تكون في منأى عن تسونامي النزاعات المحلية والحروب الأهلية الذي يعصف بمنطقة الشرق الأوسط، وعلى نحو خاص في سورية والعراق واليمن. فقد عبر رئيس الموساد الإسرائيلي السابق، تامير باردو مؤخراً عن قلقه من وقوع حرب أهلية في إسرائيل نتيجة الاستقطاب في المُجتمع. وحالة الانقسام الداخلي، إذ إنه يعتقد أنه "إن تجاوز مُجتمع ما حدًا معينا، يُمكن أن يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية فيه بالحد الأقصى. وللأسف، فإن المسافات تتقلص. أخشى أننا متجهون نحو ذلك. والتهديد الخطير الذي يُهدد إسرائيل هو داخلي وليس خارجيا".
وقلل الكاتب الإسرائيلي إسرائيل هرئيل في صحيفة "هآرتس" من أهمية تحذيرات باردو، إذ إنه يعتقد أن "حرب الإخوة" لن تقع. وأشار إلى أنه قبل 40 سنة، أثناء نضال "غوش ايمونيم" من أجل الاستيطان في السامرة، كانت توجد دعوات واضحة في اليسار، ولا سيما في الحركات الكيبوتسية، لرفع السلاح ضد غوش ايمونيم. وهذا ما حدث أيضا عندما تم طرد اليهود من سيناء سنة 1982 ومن غوش قطيف سنة 2006. وقالت وسائل إعلام إن عصابات المستوطنين، بمساعدة ضباط وجنود، تستعد لانقلاب مسلح من أجل إفشال قرارات الحكومة. وحالياً تحظى أقوال باردو بالانتشار الواسع. كما كتب الكاتب اليساري أوري مسغاف، مقالاً في صحيفة "هآرتس" في 31 /1 /2016 بعنوان "ابن إسرائيل"، يتحدث فيها عن حربٍ أهليةٍ صامتةٍ تدور في (إسرائيل) منذ 20 عاماً، حيث يقول: "إسرائيل توجد منذ 20 سنة في حربٍ أهلية. ويمكن وصفها بحربٍ أهليةٍ باردة على الرغم من أنه يرافقها العنف أحياناً، والذي كانت ذروته مقتل رئيس الحكومة في ميدان المدينة (رابين)، بعد أن وسم "خائناً". كان هذا تصريحاً واضحاً للنوايا. وعلى الرغم من ذلك، يتم الصمت على هذه الحرب. هذا لا يعني أنها غير موجودة، بل يعني أنها صامتة".
وكان تشيلو روزنبرج قد كتب في صحيفة "معاريف" في 16 /8 /2015: "في هذه الأيام تدور في إسرائيل، البيت اليهودي الثالث، حرب اليهود ضد اليهود. التزمت الكراهية، الفظاظة، الجنون، كل ما كان من نصيب اليهود في الفترة إياها، أصبحت من نصيب بعضنا هنا بعد 67 سنة من قيام الدولة. الإشارة صدرت، السيوف امتشقت، التعابير متطرفة أكثر من أي وقت مضى. المجانين يتصدرون، وليس هناك من يمنعهم. العكس هو الصحيح: المزيد فالمزيد من الزيت يصب في الشعلة التي من شأنها أن تحرق كل شيء".
المجتمع القائم في إسرائيل ليس كسائر المجتمعات التقليدية في الدول العادية التي شهدت حروباً أهلية قصيرة أو طويلة الأمد، وتناقضاته لكونه مجتمع مستوطنين وحاضنة لجماعات يهودية مختلفة، لا تنتج حرباً أهلية. إذ يمكن حل تلك التناقضات في سياق توافقي من نمط خاص.
وفي الحالة الإسرائيلية لا توجد مؤشرات على إمكانية تدخل قوى إقليمية أو دولية لصالح فريق إسرائيلي ضد فريق إسرائيلي آخر. وفي حال وجود تلك القوى سيكون مصير التجربة الإسرائيلية برمتها موضع شك وتساؤل.