لا تبدو السياسة موضوعا صالحا للتناول عند كاتب لا علاقة له بنشرات الأخبار، وما فيها من أحداث سياسية، لكن حين يكون الوطن وجيشه جزءا من سيناريو لمشهد سياسي، فالأمر مختلف تماما.
سمعت مثلما سمع كثيرون لقاء قناة الدنيا مع اللواء في الجيش العراقي؛ عبدالكريم خلف، الذي "عرّض" بالجيش السعودي، زاعما أن تعداده لا يتجاوز مئة وخمسين ألف بطل، واصفا هؤلاء الأبطال بأنهم ليسوا رجالا.
تفاصيل اللقاء المرتبطة بالسياسة ليست مهمة هنا قدر أهمية الاستنتاجات التي يمكن الخروج بها من هذا التعداد، والإضاءات التي يمكن أن يشرق بها وجدان المواطن السعودي، وهو يستمع إلى هذا الثناء الذي جاء في صورة همز.
حين يتحدث لواء في الجيش العراقي عن الجيش السعودي ويقول إن تعداده قليل لكن بلده يعيش في أمن وأمان، يكون قد أثنى عليه دون أن يقصد؛ لأنه يقول ضمنيا: إن مئة وخمسين ألف بطل في الجيش السعودي يعدلون مئات الألوف من الجنود المدججين بالسلاح، في بلاد كثيرة مجاورة للسعودية، منها بلده الشقيق، الذي يعاني ويلات الحروب والقتال والنزاعات الطائفية منذ أكثر من ربع قرن.
ولو ذهب فنظر، بعين المدكر، إلى جارة بالجنب الجيش السوري، الذي يصل تعداد جنوده إلى مئات الألوف، ورأى كيف دمرّ هذا الجيش وطنه وشرّد أهله، لعرف أن الرجل الواحد في الجيش السعودي بألف رجل ممن يعدهم رجالا في جيوش أخرى.
ولو أضاف إلى ذلك أن السعودية لا تعتمد التجنيد الإلزامي للبالغين الذكور فوق ثمانية عشر عاما، وأن بلده والجمهورية السورية يفعلان ذلك، أي أن معظم الذكور في البلدين رجال جيش، ثم تفكر وتدبر في نعمة الأمن التي تعيشها السعودية، وهذا تعداد جيشها، لفهم أن الرجولة ليست بالعدد الكثير ولا بالجمع الغفير، إنما بالقيم الراسخة والإيمان الصادق والحب الحقيقي للأرض والوطن.
ليست غاية هذا المقال أن يقرر الحقائق التي لا تقبل التشويه، لكنه لتذكير هذا الرجل والعالم بأسره، بنعمة الأمن التي تعيشها السعودية وهذا تعداد جيشها. هذا البلد الطاهر المبارك يستقبل كل عام ملايين الزوار من مختلف الجنسيات والطباع والأعراق والأخلاق والأفكار، ثم تمضي أيام الحج فيه بسلام وأمن وطمأنينة، لكن عُشر هذا العدد فقط من الإيرانيين يدخل العراق ويعيث فيها فسادا وقتلا وطائفية كل عام.
هذا البلد الكريم المعطاء، لا يحتجّ باحتياج الجيش إلى العَدد والعُدد، وهو يخوض حربه مع الحوثيين في اليمن، ليترك عادته في فعل الخير وبذله في السراء والضراء، فتراه، وهذه حاله، لا يتردد في إغاثة المنكوبين في السودان، وإعانة المشردين في سورية، وإعمار بلاد المسلمين في الشرق والغرب.
يفعل هذا البلد ذلك محتسبا عند الله الأجر، مؤمنا بأن الصدقة لا تنقص المال بل تزيده؛ لذا يزيد الله في طاقة جيشه المعنوية، وفي طاقة شعبه الروحية أضعافا مضاعفة، تجعل البطل الواحد في الجيش السعودي بمئة ألف رجل، وهذا هو السرّ الذي خفي على عبدالكريم خلف وجيشه.