قبل 4 سنوات تقريبا قرأت رواية صينية قديمة جدا تتحدث في بدايتها عن صيني مسلم مسن يريد أن يرحل إلى الحج مع أحد القوافل المتجهة إلى مكة للحج والتجارة، وقرر أن يؤمن حفيده اليتيم الذي يعوله عند صديقه صانع الفخار، وقبل صديقه بأن يرعى الطفل حتى يعود سالما من الحج، وأبدى استعداده لأن يرعاه إلى الأبد في حالة لم يعد الجد.
هذه الرواية التي تحكي جزءا من معاناة حجاج الصين في التاريخ القديم تذكرتها عندما شاهدت بعض المغردين في تويتر يتداولون صوراً من مدن متفرقة تجسد مسيرة لحاج صيني قرر القدوم من الصين إلى مكة على دراجته الهوائية، قاطعا مسافة تقدر بأكثر من 4 آلاف كم خلال أربعة أشهر حتى يصل إلى مكة المكرمة، ولم يعلن هذا الحاج الصيني الهدف من رحلته إلى الحج على دراجته الهوائية رغم توفر وسيلة الطيران المريحة التي توصله في أقل من 8 ساعات إلا أن مغامرته تضاف إلى مغامرات الحجاج الصينيين قليلي العدد في الماضي التي سجلت عبر التاريخ، وكانوا قليلي العدد رغم كثرة المسلمين في الصين لسببين هامين: الأول هو بعد المسافة التي كانت تستغرق مسيرة عام كامل على القدمين، والسبب الثاني هو التكلفة المادية المرتفعة التي تتطلبها رحلة الحج التي كانت من آمال مسلمي الصين في الزمن الماضي بعد دخول الإسلام إليهم عبر إرسال أول مبعوث مسلم إلى ساحل الصين الشرقي في عصر الخلفاء الراشدين في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 641 للميلاد، ومن ثم انتشر من هناك إلى الداخل الصيني عبر مراحل طويلة، متأثرا بالبعثات التجارية التي كانت تربطهم بالمسلمين، استمر الحجاج الصينيون بهذا العدد القليل جدا.
وكان لا يعزم أحدهم الحج إلا إذا وجد في نفسه القدرة المادية الكبيرة، والقدرة الجسدية التي يجب عليه أن يبذلها خلال عامين من المسيرة حتى يصل إلى مكة، ومن ثم يعود إلى بلده، وذكر عبر التاريخ الصيني العديد من القصص عن مكة، حيث يقول المؤرخ الصيني جو كوا في القرن الثالث عشر الميلادي إنه يمكن السفر عن طريق ميناء مرباط في حضرموت إلى مكة والمدينة، ويستغرق السفر شهرين وعشرين يوما، وفي عام 1432م أقام المترجم المسلم الصيني ما هوان في مكة المكرمة لمدة ثلاثة أشهر أثناء عمله في رحلات أسطول الكنز الاستكشافية التي أمر بها الإمبراطور الصيني يونج لي، ووصف المترجم مان هوان مكة ببلاد المربع السماوي قاصدا فيها الشكل الرباعي للكعبة، وذكر أنها على مسيرة يوم واحد باتجاه غرب جدة، وكان تحديده للاتجاه خاطئا وملتبسا عليه، وذكر بعض صفات أهل مكة وطقس مكة الحار، وكذلك ذكرت مكة في التاريخ الصيني أيضا عبر المؤرخ الصيني فاهسين عام 1520م، الذي ذكر مكة والمدينة المنورة استنادا على المخطوطات التي كتبها رحالة أسطول الكنز، ولم يزر المؤرخ فاهسين مكة أو المدينة.
ازداد عدد الحجاج الصينيين بشكل كبير في العصر الحديث، وخاصة بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية والطفرة الاقتصادية التي تشهدها الصين حاليا وبداية علاقتها بالسعودية، حيث تولي الحكومتان السعودية والصين تعاونا كبيرا في مجال تسهيل الحج والإجراءات الرسمية، وسهلت لهم المملكة العربية السعودية تقديم طلب تصريح الحج والعمرة بشكل إلكتروني ومجاني، وما على الحاج أو المعتمر الصيني إلا دفع تكاليف الشركات السياحية التي تقدم له خدمة الطيران والإقامة والمعيشة. ولتسجل الإحصائيات هذا العام أكبر عدد لحجاج الصين على مدى التاريخ، حيث بلغ العدد 14.5 ألف حاج استقبلتهم المملكة العربية السعودية عبر 48 طائرة، يأتون إلى وطن المسلمين مكة بشوق ولهفة، كما اشتياق المهاجر لوطنه، وكما يقول المثل الصيني "تمنى أن يعود إلى وطنه كالسهم الطائر".