في بداية حفل نهاية العام الدراسي الماضي وقف المدير الأستاذ مارك وقال بعد التحية: (للتذكير أعزائي أولياء الأمور احرصوا على أن تصوّروا أبناءكم فقط، وأن تكون هذه الصور للاستعمال الشخصي لا لمواقع التواصل الاجتماعي، أتوقع منكم مساعدتنا في حماية طلابنا وأبنائكم).

ما الذي يدفع المدير الفاضل لتكرار هذه العبارة وأشباهها على أسماعنا في كل محفل في المدرسة؟ في الحقيقة يدفعه نظام حماية الطفل الصارم في بريطانيا والذي يتماهى مع اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عام 1990. للأمانة قرأت تفاصيل هذه الاتفاقية للمرة الأولى من خلال رابط على صفحة الخارجية البريطانية كجزء من نظام إصدار التأشيرات، حيث لا بد للمتقدم مع أطفال من مراجعة قانون حماية الطفل البريطاني. هذا القانون الصارم يجرِّم مشاركة صور أطفال الغير بطريقة غير لائقة، ولا يقبل اعتذارك بجهلك، فحماية الطفل أولوية وينبغي لكل من يعيش في هذا المجتمع أن يثقـف نفسه حول هذه المسألة، بل وتتحمل المدرسة أيضا مسؤولية قانونية واجتماعية في توعية الأطفال وذويهم بحقوقهم، ومنها حقهم في الحماية من الإعلام.

ولأن الحماية مفهوم شامل ولا يتجزأ، نجد حرص المدارس البريطانية على توعية طلابها بحقوقهم والتأكد من استظهارهم لأرقام مؤسسات الحماية في حال احتاجوا إليها. كما يوجد في كل مدرسة مرشد اجتماعي ومرشد نفسي/ سلوكي يقع من ضمن مهامهم توعية الطلاب ودعمهم، وكذلك دعم المدرسين وتوفير الاستشارات لهم وللأهل في حال لاحظ أحدهم ما يجدر الإبلاغ عنه لسلطة أعلى. باختصار يتعاون كل من في المدرسة لجعلها بيئة حامية وداعمة للطلاب ولأسرهم، وليس هذا تحريضا للطالب، كما قد يتبادر للذهن، بل مساهمة في إعداد مواطن صالح يعرف حقوقه وينفع مجتمعه، ويؤدي دوره وواجباته في كل مرحلة من مراحل حياته.

هذا الدور لا يستثني الأسرة، بل يعتبرها الشريك الأول في التربية، ولكنه لا يترك لها الحبل على الغارب، فالطفل ليس ملكية أسرته المطلقة، بل مواطن يتعاون الجميع في حمايته وتنشئته.

لم يكن للمدارس أن تقوم بهذا الدور في حماية الطفل لو لم تتوفر لها أولا الحماية القانونية الكافية التي يهابها المجتمع وينصاع لها، وثانيا لا ننسى دور الحملات الإعلامية المدعومة من المؤسسات التربوية في تعزيز رسالة المدرسة كمكوّن أساسي من مكونات الحي وعامل تغيير. وثالثا وجود الرقابة التي تقيم الجهود المبذولة من المدارس على مختلف المستويات. كل تغيير في السلوك لا بد أن يسبقه تعزيز وحماية للثقافة الجديدة مع وجود نماذج ناجحة يحتذى بها إن أمكن.

أذكِّر بكل ما سبق مع اقتراب بداية العام الجديد وضرورة تمكين القادة والمدرسين داخل المدارس وحمايتهم بسلطة القانون ليتمكنوا من القيام بدورهم، كما يجب مع ضرورة محاسبتهم بصرامة في حال وقوع التجاوزات، لأن صلاح التعليم ببساطة يضمن صلاح جوانب حياتنا الأخرى. لا بد أن تعود للمدارس أولا هيبتها حماية للأجيال داخل أسوارها من أي تصرف غير مسؤول يعرض مستقبل الطفل/ الطالب للخطر.

في السياق ذات، أريد أن أشير إلى حملة إلكترونية واعية على منصة تويتر وسمها (#أنا_مو_سلعة). تسعى هذه الحملة لهدف نبيل، وهو إيقاف تصوير الأطفال واستغلال براءتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فمقاطع الأطفال متداولة بشكل مزعج بدون أي رادع نظامي أو اجتماعي صارم. فهذا ينشر صور أطفاله للاستجداء، والآخر يظهر مواهبهم ويعرضهم للردود السخيفة والتجاوزات من المتابعين. الأدهى أن يقوم طرف آخر بنشر صور أو مقاطع لأطفال أشخاص آخرين، ولذلك يتوجب علينا أن ندعم مثل هذه المبادرة، فالأطفال لا صوت لهم وحمايتهم مرتبطة على الأغلب بعلو صوت ووعي من حولهم، كما أن سكوتنا على التجاوزات حيال أطفال الغير يجعل من أطفالنا الهدف القادم لغول الإعلام.

آمل أن يعلو صوت هذه الحملة وتحظى بالدعم الحكومي والمجتمعي المستحق، ولعلها تكون هي الفراشة التي ترفّ في تويتر، فينير لها عقل مسؤول ما في مكان ما، ويقرر أن يضع حدًّا لهذه التجاوزات تجاه براءة الطفولة من أجل كل طفل في الوطن.