محمد فايع



يصدق من يقول إن كل مواطن أصبحت لديه وكالة أنباء شبه متكاملة، بتملكه التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة "فيديوتيب، سناب شات، واتساب، تويتر وفيسبوك"، كما ذكر مهندس الدبلوماسية الخارجية عادل الجبير، بأنه أصبح وكأن كل مواطن يمتلك "وكالة أنباء" خاصة به، عموما لا يمكن لي العودة إلى استعمال لغة قديمة كنا نرددها، قبل أن نؤمن ونقتنع بأننا أصبحنا نعيش ما يسمى "العولمة" الاتصالية، وأننا أمام واقع لا مفر منه، بما خلقته وسائل التواصل بين مستخدميها من اتصال مباشر من الشرق والغرب، وما تواصل "أبوسن الشاب السعودي، مع الفتاة الأميركية كريستينا" إلا مثال لما أقول، رغم أن لغة التواصل الكلامية لم تكن حاضرة لافتقاد كل طرف إتقان لغة الآخر، إذاً ما الذي يجب عمله بعد تهدم كل جدران الحماية التقنية والتحذيرية، لتفادي خطورة وسائل التواصل الاجتماعي على الأخلاقيات والقيم والثقافة والهوية ونشر الإشاعات؟

حقيقة كل الجدر الأمنية المادية سقطت، ماعدا جدار القيم والفضيلة، فهو يبقى الجدار القادر على حماية أبنائنا من السقوط في وحل التواصل التقني، والذي لو تم بناؤه منذ الصغر في البيت والمدرسة، في الشارع والإعلام، فلن نخشى على أطفالنا من التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي، ولن تكون كل أسرة بحاجة إلى "عصا العم معيض"، لكن حينما تغيب الأسرة عن دورها التربوي، أو يتحول الأنموذج نفسه بداخلها إلى مهرج كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، فماذا تتوقع من صغارها؟ وحينها سنردد "إذا كان رب البيت للدف ضاربا.."، وحينما نجد المدرسة خلقت فجوة بينها وبين ما يجري خارج أسوارها، وأصبحت وظيفتها محصورة في التعليم وليس التعلم للحياة، وتحول شعارها "اللي ينجح ينجح واللي ما ينجح عساه مانجح"، فمن الأكيد أن عطب جسر التربية وغيابه في توظيف القيم الأخلاقية عبر المناهج والمناشط المدرسية، سيخرجان جيلا إلى حد كبير متعلم، لكن تنقص بعضه معايير الأخلاق، وهنا أستحضر من الذاكرة لوحة مدرستي القديمة وقد كتب عليها "وزارة التربية والتعليم"، واسترجع معها شرح مدرّسنا القادم من بلاد الشام، وهو يشرح لنا ما معناه "لا تعليم بلا تربية".  ونأتي إلى ثالث جدر الحماية الأخلاقية "الإعلام"، فحينما يفقد بوصلته في حماية الفضائل، ويتحول إلى منصة واهية بواسطة القنوات التجارية التي تتسابق إلى الاحتفاء بالمقاطع التي لا يمكن وصفها بأكثر من دروس في السماجة والثرثرة والتهريج على المشاهدين، فكأنها تعزز فيهم عن طريق الإشهار والإبهار، وتستحثهم للاستمرار في ذات الطريق الذي يتعاملون به بطريقة فجة وخاطئة مع وسائل التواصل الاجتماعي، وأن ما يقدمونه عبر وكالات "تهريجهم" يحتفى به وستتم استضافتهم، فهنا أستطيع القول إن هوية شبابنا وثقافتهم وأخلاقياتهم في خطر.