ما زالت ردود الأفعال تتوالى متباينة بعد انعقاد مؤتمر الشيشان في عاصمتها جروزني، أو كما عرف بمسمى مؤتمر أهل السنة والجماعة، والذي حضره عدد كبير من علماء المسلمين من مختلف الطوائف نهاية أغسطس الماضي، بحضور الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف.
الغضب من البيان الختامي كان هو السمة الغالبة لدى كثير من رجال الدين والكتاب في المملكة، وقد جاء بيان هيئة كبار العلماء قبل أيام أكثر اتزانا ومنطقية من ردات الفعل الغاضبة تلك. الخلاف حول مسمى المؤتمر وأهدافه، ومن هم الضيوف الذين دعوا له، والبيان الختامي الذي حدد فيه من هم أهل السنة والجماعة بذكر جماعات بعينها وإقصاء آخرين، يجب أن يكون أكثر وضوحا لعموم المسلمين خاصة الشباب منهم، الذين وجدوا أنفسهم في صراعات المذاهب والفرق وانقساماتها القديمة التي بدأت في عصر صدر الإسلام، والتي تجزم كل فرقة منها بأنها هي الوحيدة على الحق، وأن في اتباعها النجاة، وفي مخالفتها الضلال والهلاك. لقد قادت هذه الأحكام الشمولية في الدين لدى كل فرقة وحزب ومذهب ديني إلى اعتقاد البعض بكمالهم بشكل مطلق، وفي اعتقاد الكمال تصبح معاداة المخالفين طريقة لا بد منها. يقود هذا العداء لمحاولة إضعاف الخصم بالأقوال والأفعال وخوض الحروب والاقتتال وانتشار الفتن على حساب الانتصار للرأي الواحد.
لم توجد الشمولية في أمر إلا وسببت الانقسام حوله والصراع فيه. طبيعة الحياة والنفس البشرية أن تكون مرنة قابلة للتعدد والتغيير، ومقاومة هذه الطبيعة تؤدي لكثير من المشاكل والمهالك. هكذا جاء الدين الإسلامي دين صالح لكل زمان ومكان، صلاحيته هذه تخرجه من قالب النمطية التي يريد أن يحتكرها البعض لنفسه، وتجعله رحبا، متقبلا للجميع، ملاذا للإنسان كما أراده الله لنا. لو أمعنا النظر في الانقسامات والحروب التي تحدث حولنا الآن سنجد أنها جميعا تعود إلى أسباب مذهبية وطائفية، وتقوم أغلبها على إرهاب ديني شذ عن النمط السليم للإسلام الصحيح، بل إنها صراعات في فلك التدين السياسي الذي يبحث عن الانتصار لنفسه والتوسع على حساب الآخر بحجة الإسلام.
لو عدنا إلى البيان الختامي لمؤتمر الشيشان، لوجدنا أنه كما يحوي بعض النقاط التي تعيبه كحصره لأهل السنة والجماعة في الاعتقاد بفئتين فقط، إلا أنه ضم بعض النقاط الجديرة بالتأمل فيها ومحاولة تطبيقها من جميع الفئات الأخرى التي تزعم أيضا أنها من أهل السنة والجماعة وتريد احتكار هذا اللقب لها وحدها. من ضمن ما ورد في البيان الختامي لمؤتمر الشيشان من نقاط على المسلمين جميعا الانتباه لها والعمل عليها: الحرص على إيصال صورة إعلامية صحيحة عن الدين الإسلامي لمختلف جهات العالم. دراسة أسباب انتشار الفكر المتطرف دراسة علمية موثقة وموسعة تبرز المشكلات وتطرح حلولا عملية لها، وحث الحكومات على فرض تشريعات قوانين تجرم الطائفية وخطاب الكراهية والتحريض على الآخرين. ولكن كل هذه النقاط التي نرى أهميتها ستصبح كلاما حالما على المنابر وفوق الأوراق فقط، ما دام النزاع حول من يمثل "أهل السنة والجماعة" هو المتصدر لخطابات المتنازعين حوله.
لم نكن ونحن في هذه الأوضاع التي يتخبط فيها العالم في صراعاته الدينية والمذهبية والسياسية بحاجة لخلق فضاء آخر من الصراع السني-السني، بل كنا نأمل لو كان هناك مؤتمر يدعو إلى تحسين صورة الإسلام بالمجمل وإخراجه من جلباب السياسة التي تسيء إليه وتمزقه وتفرق دم المسلمين وتشرذمهم أكثر، وتنتصر فيه لأهدافها التوسعية على حساب سماحته.
وعلى المهتمين من المفكرين وعلماء الدين الوسطيين والمعتدلين أن يخرجوا من التنظير الحالم إلى الواقع المؤلم، وقبل أن يتهموا الآخرين بالإقصاء ينظروا: هل أقصوا أحدا من قبل؟!