قبل فترة قصيرة حظيتُ بزيارة قصر الحضارات القابع على واحد من أعلى مرتفعات النماص "المِقِّر" جنوب المملكة. القصر الذي تُنافحُ أبراجه الغيوم المتهادية المسافرة مع الرياح إلى تهامة التي تبدو كخريطة ضبابية وأنتم تراقبونها من الشرفات الشاهقة الملحقة بالقصر. كانت زيارة فريدة بطابع خاص، كفيلة بإنعاش الماضي العتيق في المخيلة التي أراهن على أنها لن تكف عن التصور، وعيونكم ترى شواهد الأجداد وحاجياتهم، ملابسهم ولوازم الزراعة والمواشي وأدواتهم اليومية التي سلبها العمر كثيرا من بريقها، خاصة وإن حالفكم الحظ وكنتم برفقة شخص كوالدي -حفظه الله- الذي أضفى روحا جميلة لزيارتي بمعرفته الواسعة حينا، واسترساله في ذكرياته حينا آخر. القصر كان تحفةً بحق، أعرفه منذ طفولتي ولم يكن يخطر ببالي حال مشاهدته بشكل عابر في كل مرة طوال عمري، سوى قلاع الحكايات الخرافية، حكايات الأميرة النائمة والوحش ومصاص الدماء الحزين، هكذا احتفظت به في ذاكرتي حتى التقيت بقصري مجددا في هذه الزيارة لتهتز تلك الصورة الزاهية قليلا في نفسي، وأنا أرى القمامة تملأ كل مكان في الخارج، الممرات الجميلة وسلالم الشرفات والمطلات وأحواض الشجر والورود، في مشهد صادم ويشحن النفس بالعتب، ويحكي عن مدى انعدام ثقافة احترام المكان وصاحبه، الذي بذل جهدا جبارا في إقامة هذا الصرح الثقافي، واحترام المرافق الجميلة الهادفة لدى شعبي للأسف، شعبي الذي يتغنى بحب الوطن في يومه الوطني لكنه لا يتوانى عن رمي مخلفاته في كل مكان بلا مراعاة ولا شعور، تساءلت بمرارة عن دور بلدية النماص في توفير الرعاية الكاملة لهذا المزار الجميل والمميز، ليتها تكف عن الكلام وتفعل شيئا جديا ولو لمرة واحدة، للحفاظ على هذا الرافد الثقافي والسياحي المهم. أنهيت زيارتي بعدما رحلت الشمس، ركبت السيارة وخيبتي الممزوجة بالبهجة ترسم ظلالها في عينيَّ اللتين أخذتا تودعان قصري الخرافي، أبراجه الحالمة، أصوات الأسلاف النائمين في الداخل، وشفقٌ ورديٌّ ساحر يرجو العابرين: "لا تؤذوا هذا القصر".