هناك برنامج تونسي اسمه "عندي ما نقلك". معظم حلقات البرنامج هي قضايا نساء تم تعنيفهن وإهانتهن من قبل آباء وإخوة وأزواج. إحدى القصص تحكي قصة طفلة تخلى عنها والدها وهي في الثالثة عشرة لأنها ذهبت إلى الشرطة وأبلغت أنه سيتزوج على أمها المفقودة منذ سنوات. الطفلة تعرف أن القانون التونسي يجرم التعدد فلجأت إلى الشرطة، والشرطة اقتادت الأب ثم أطلقت سراحه، لكنه كتم هذا الغيظ في صدره ورفض استقبال هذه الطفلة. وبسبب أحداث الثورة ضاعت الطفلة في الشوارع، لكن في النهاية احتضنتها عجوز وجعلتها تخدمها، وبعد أن أصبحت في الثامنة عشرة قررت طلب رضا والدها الذي جلس بغرور وهو يشترط رضاه برضا زوجته. المذيع سي علاء -كما يناديه التوانسة- ثار غاضبا على هذا الأب ووقف بدهشة أمام هذا الاشتراط وقرر إدخال شقيقة الفتاة علها تصلح الموقف، وجاءت الأخت واستمرت لنحو نصف ساعة تقنع الأخت الهاربة بوجوب احتمال التعاسة، وهي تردد "شوفيني كيف رضيت وأنا أحيانا لا أجد ما آكله، شوفيني رضيت وأنا لا أجد لحافا أتغطى به".
في الواقع أن الفتاة الهاربة لم تستجلب دمعتي، بقدر ما استجلبتها الأخت الصابرة على الألم والتعنيف والتي تربط كل شيء برضا هذا الأب اللاإنساني المتقمص دور مانح السعادة والحاكم على حياتهن بأمره.
هؤلاء التونسيات المعذبات عشن ويعشن تحت نظام هو الأفضل على المستوى العربي في حقوق المرأة -بحسب تقارير المنظمات الحقوقية في العالم- لكن الفتاة المسلمة في داخلها لا تحتمل الحياة دون رضا والدها، لذا جاءت تلك الطفلة متناسية كل الأحقاد وراغبة في السلام رغم استقلالها المادي، لكن والدها رفض ذلك وانتهت الحلقة برفضه ودعوات الجميع للصغيرة بأن يغنيها الله عنه.
إننا لا نحتاج في عالمنا العربي إلى تغيير ثقافة المرأة، بقدر ما نحتاج إلى تغيير ثقافة هؤلاء الرجال وآرائهم تجاه المرأة، لقد نزعت الرحمة من صدورهم تجاه بناتهم وأخواتهم وزوجاتهم، ودفعتهم المجتمعات التي انقطعت عن سيرته، صلى الله عليه وسلم، وتعامله مع المرأة، بفضل خطابات ليست أرقى من خطابات صندوق باندورا الوثنية المتخلفة.