بشكل مواز كانت نهضة الصين الاقتصادية والعلاقات السعودية الصينية. النهضة الصناعية والاقتصادية الصينية الحديثة التي نمت بشكل متسارع كانت شبيهة أيضا بالعلاقات السعودية الصينية التي بدأت عام 1988 بصفقة سلاح كلف بها الملك فهد -رحمه الله- الأمير بندر بن سلطان سفير السعودية لدى أميركا في ذلك الوقت، لعدم وجود سفير سعودي في الصين، وتطورت العلاقات منذ ذلك العام بشكل متسارع حتى وصلت اليوم إلى أعلى مستوى في تاريخها بلجنة عليا مشتركة يرأسها من الجانب السعودي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومن الجانب الصيني النائب الأول لرئيس الوزراء، لتصبح العلاقة السعودية الصينية الأقوى في الشرق الأوسط والعالم العربي، بل وتسعى لمزيد من النمو في علاقتها بالمستقبل القريب، خاصة أن الصين حتى الآن يقتصر دورها في إقليمنا على المجال الاقتصادي، وتستثمر بشكل كبير في الشرق الأوسط والدول العربية دون استثناء، وتحاول بقدر قوتها المشاركة والاستفادة من نمو هذه المنطقة، وتدخل في أغلب المناقصات الدولية، وتنافس في برامج التمويل، ومشاريع البنية التحتية، والاتصالات والقطارات، وتملك خبرة كبيرة في مجال تكرير البترول، ترجمتها بشراكة تاريخية مع شركة أرامكو السعودية لبناء مشروع ياسرف في ينبع الذي افتتحه الملك سلمان، أثناء زيارة الرئيس الصيني مطلع هذا العام.

الصين المستورد الأكبر للمنتجات غير النفطية والنفطية على حد سواء من السعودية، وتحاول بكل قوتها إنجاح أهدافها الاقتصادية، ومشروعها طريق الحرير الصيني في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الاضطرابات السياسية في المنطقة أصبحت عائقا أمام بكين التي استطاعت، بفضل قوة شركاتها ومنافستها لكبرى الشركات العالمية، الفوز بالمشاريع التنموية في الشرق الأوسط إلا أن العائق الأكبر أمامها تمثل في الاضطرابات السياسية الواقعة في المنطقة، مثل ما يحدث بالعراق وسورية وليبيا واليمن وغيرها.

الاضطرابات السياسية التي خلفتها الثورة في ليبيا دفعت الصين ثمنها غاليا من اقتصادها واستثماراتها فيها، وحاولت بقدر الإمكان تسوية الخسائر بشكل دبلوماسي، ولكنها لم تفلح في ذلك. لذلك نجد أن الصين تحاول الآن التدخل السياسي في العالم العربي والشرق الأوسط عموما، تحاول بقدر الإمكان حل مشاكل المنطقة السياسية لمزيد من النمو لمشاريعها الاقتصادية وشركاتها النامية التي تعتمد على نمو منطقتنا، والحفاظ على استثماراتها في المنطقة.

ويأتي تدخل الصين السياسي بعد الفراغ الشبه تام للدور الأميركي في المنطقة، وللمضي في صنع قوة سياسية لها في المنطقة قامت ببناء قاعد عسكرية لها في جيبوتي، وعينت سفيرا خاصا لأزمة سورية والذي قام في أول جولة له بزيارة المملكة العربية السعودية كدلالة على أهميتها في تحقيق الأهداف السياسية التي تطمح إليها، كما أنها أرسلت وفدا عسكريا إلى سورية، وأيدت رسميا التحالف العربي الذي يقوم بمهمة إعادة الشرعية لحكومة اليمن، وتعي الصين تماما أن دخولها منطقة العالم العربي والشرق الأوسط بشكل عام لا يمكن أن يكتمل دون علاقات قوية مع المملكة العربية السعودية التي تقع في قلب حزام الطريق الصيني، والبلد العربي الوحيد في مجموعة العشرين وأكبر مصدر نفط لها، إضافة إلى ذلك العلاقات الاقتصادية المتينة بين البلدين والتي تعد الأكبر في الشرق الأوسط.

الحزب الشيوعي الحاكم للصين ومنذ بداياته انكفأ على نفسه لخلق اقتصاد ونهضة تنموية لبلاده، نجح في المنافسة مع أكبر دول العالم حتى تفوق وأصبح أقوى اقتصاد عالمي، ومصالحه منتشرة في كل خارطة الأرض، خاصة في الشرق الأوسط الذي تقف اضطراباته السياسية عائقا أمام خطط الصين الاقتصادية، لذلك أصبح تدخلها السياسي حتميا لحماية مصالحها الاقتصادية، والذي لن يتم بشكل كامل دون اتفاقيات سياسية مع صديقتها السعودية التي ستسهل عليها الكثير من العقبات بمجرد التعاون السياسي بحكم نفوذ المملكة السياسي في المنطقة.