أقلب بمعدل يومي وبشكل دائم مؤخرا، أخبار الصحف المحلية والعربية، وأتصفح مواقعها، إضافة إلى مواقع الشبكات الاجتماعية، وأحزن من كمّ المواد الإعلامية التي تتحدث عن الفضائح الوظيفية، والتقصير في الأداء، وتهم الاختلاسات والتزوير، والاتهامات المتبادلة بين الجهات والمؤسسات، وأخبار الحوادث المترتبة على الإهمال والتقصير الوظيفي والمهني.

ولا يمر يوم واحد دون أن أقرأ خبرا عن جريمة أو سرقة أو انتفاع أو تقصير أو شبهة. فهل هذه هي المجتمعات العربية التي نفخر بها، أو نعول عليها لبناء المستقبل، أو نطمح إلى تقديمها ووضعها بموازاة مجتمعات العالم المتمدن من حولنا؟!

في المقابل، لا أجد في الصحف الأجنبية هذا الكمّ المخيف من الأخبار السلبية التي تعج بها الصحف لدينا، ويدهشني حجم التقارير التي تتحدث عن طرق كيفية التغلب على المشكلات والقضايا الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية، وبحثهم الدائم عن كل ما يؤدي إلى تحسين مجتمعاتهم وحياتهم، وما يفيد في رسم صورة مستقبلهم الأممي.

في الواقع، لا أظن أننا بعيدون جدا عن نموذج الإنسان الكبير المليء بصفات النبل والاستقامة والمحبة، وغيرها من الصفات الأخلاقية المرتفعة والعالية، فالمعاملات الاجتماعية تعكس في كثير من جوانبها ملامح الشخصية الطيبة الودودة اللينة، القابلة للخير والمحبة له، ومن الغريب ألا يتاح لهذه الشخصية المتزنة والجميلة بالظهور المستمر في حياتنا.

ونحن كمجتمعات عربية مسلمة متعددة الأعراق متباعدة المسافات، متقاربون ثقافيا من حيث كثير من العادات وطرق التفكير، وبيننا من الحميمية ما ليس لدى شعوب كثيرة في هذا العالم، ونمتلك من المقومات والمميزات ما لا تملكه كل الأمم والأعراق، فلغتنا واحدة وديننا واحد ورقعتنا الجغرافية واحدة، ولدينا أسباب وعوامل مشتركة أكثر بكثير من تلك التي تتوافر لدى المجتمعات الغربية أو الشرقية.

لكننا على الرغم من امتلاكنا هذه الكنوز الكثيرة، نعجز عن رؤيتها واستغلالها بشكل أمثل، يمكّننا من تقديم أنفسنا بصورة أكثر مسؤولية، وأكثر إحساسا بالشراكة النفعية المكانية، وتاريخية الزمان التي لن ترحمنا أسطرها ذات تأريخ.

ولا أعلم عن الدوافع العميقة التي تجعل الإنسان العربي المسلم على وجه التحديد، يغادر منطقة القناعات بضرورة التحلي بالمسؤولية تجاه العمل والمكان والناس والعالم المحيط، على الرغم من كمية المثل والأخلاقيات المنقولة في سير التاريخ العربي، وتشديد الدين على تربيتها وانتشارها في أوساط المجتمعات الإنسانية.

وأتساءل: ما الذي يجعلنا متأخرين في الحرص على تطبيقاتها، وجعلها أسلوب حياة، ولماذا نحن مهووسون بكسر الترتيب والنظام، ولماذا نصر على الظهور بطريقة مخجلة في مواقعنا العامة؟ ولماذا نفضل الظهور كمهملين لأبسط الحقوق والحريات؟

فالإهمال مثلا كما جاء في موسوعة الوكيبيديا، هو "نوع من الضرر أو الجرم، جنائيا كان أم مدنيا، يستحق عقوبة جزائية، والإهمال يستشري في الدول المتخلفة لغياب الوازع أو الرادع"، ويصف خبراء علم النفس الإهمال بأنه سلوك يتجاوز تأثيره صاحبه، ولا يقتصر عليه، فالإنسان المهمل هو إنسان فوضوي غير مبال، يتأثر محيطه الشخصي بإهماله بقصد أو دون قصد، ويرون أن الإهمال صفة مكتسبة، وأظن أن هذه الصفة تحولت إلى عادة بل إلى مصيبة عربية بامتياز، وسؤالي الأخير: الإهمال صفة مكتسبة، لكن عمّن يا ترى؟