قبل بضعة أيام، توفيت والدة صديقي العزيز، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته. ذهبنا إلى مقبرة النسيم لحضور الدفن وتعزية ذويها. كانت المقبرة تعج بالناس والسيارات، لوجود أكثر من 10 جنائز، فكنا مع هذه الجموع الكثيرة نقف عند كل جنازة ونسأل من هو المتوفى فنعزيهم ونواصل البحث مرة أخرى حتى وجدنا ذوي المرحومة.
في مقبرة النسيم، الطريقة المتعارف عليها هي أن تمشي بعشوائية بين الناس وبين القبور، وتنتظر مشاهدة صديق أو قريب للمتوفى لتعرف أنك وصلت. هذه الطريقة منطقية في مدينة صغيرة أو في قرية الكل فيها يعرفون بعضهم. مدينة الرياض الآن من أكبر المدن العربية، وكل الموتى يتم دفنهم في مقبرة النسيم، وليس من المنطقي أن تستمر هذه الفوضى كما هي!
لماذا لا يتم ترقيم مسارات القبور بحروف وأرقام، لتستطيع أن تعرف وجهتك بسؤال الموظف من البوابة الرئيسية؟
هذه الطريقة أيضا تساعد على حفظ مكان القبر لمن أراد الزيارة. تخيل معي أن كثيرا من الناس لا يعرفون أين قبور أحبابهم! وتخيل أن بعضهم يضع عصا كعلامة أو يرش اللبنة على استحياء بلون مختلف ظنا منه أن هذا اللون سيدوم مع حرارة الشمس والأمطار!
دفنتُ والدي في هذه المقبرة قبل ثمانية أعوام، ولا أعرف أين قبره الآن، ولو عاد بي الزمن لكتبت اسمه على القبر، ولن أجعل فتوى تحيل بيني وبينه بحجة أن كتابة الأسماء على القبور "مكروهة"، خصوصا أن الحل عندهم هو تعليم القبر بحجر أو خشبة أو نحوهما!
أبسط حق للمتوفى ولذويه، هو أن يُعرف قبره ويُكتب اسمه عليه تخليدا لذكراه، فالمقابر أصبحت كبيرة والقبور كثيرة، ولن تستطيع أن تعرف قبرا بدلالة حجر أو خشبة في هذه المساحات الشاسعة.
دخلت المقبرة وأنا أعرف أن والدي هنا، ولكني مع الأسف لا أعرف أين قبره.