فيما تمتد العلاقات بين المملكة العربية السعودية وتركيا إلى عام 1929، تأتي زيارة ولي العهد الأمير محمد بن نايف الحالية لأنقرة لتتوج هذه العلاقة التاريخية، بمزيد من التقارب وتوثيق العلاقات فيما يصب في مصلحة الأمتين العربية والإسلامية.

وعلى مدار العقود الماضية شهدت العلاقة بين الرياض وأنقرة تطورا ومزيدا من التعاون والتفاهم المشترك حول الموضوعات التي تهم مصالح البلدين والأمة الإسلامية، ووصلت إلى أعلى مستوياتها خصوصا بعد تشكيل المجلس التنسيقي الاستراتيجي الذي تم تأسيسه في أبريل الماضي بتركيا، بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس رجب طيب أردوغان.

ويعد المجلس قفزة عالية في مسيرة العلاقات بين البلدين، في مجالات كل من المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصاد، والتجارة، والبنوك، والمال، والملاحة البحرية، والصناعة والطاقة، والزراعة، والثقافة والتربية، والتكنولوجيا، ومجالات الصناعات العسكرية، والأمن، والإعلام. وبالرغم من الأزمات التي تعصف بالمنطقة، إلا أن وجهات نظر البلدين تظل متطابقة تجاه معالجة تلك الأزمات، وتأكيدا لتميز هذه العلاقات، كانت المملكة من أوائل الدول التي وقفت إلى جانب تركيا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تعرضت لها قبل شهرين تقريبا، حيث أجرى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز اتصالا هاتفيا بالرئيس التركي، أكد فيها وقوف المملكة مع الدولة التركية، ضد كل محاولات المساس بأمنها واستقرارها.

 


جانب من الزيارات

فيما يتعلق بتبادل الزيارات بين قيادتي البلدين، عقد خادم الحرمين الشريفين في جمادى الأولى لعام 1436، في الرياض جلسة مباحثات رسمية مع فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس جمهورية تركيا، ناقشا خلالها آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين، وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، وكذلك بحث الموضوعات ذات الاهتمام المشترك ومجمل الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية. وفي ربيع الأول من عام 1437، استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالرياض، الرئيس رجب طيب أردوغان وعقدا جلسة مباحثات رسمية جرى خلالها استعراض العلاقات الثنائية وبحث آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين بالإضافة إلى مناقشة تطورات الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية. وفي يومي 15 و16 من نوفمبر عام 2015، زار خادم الحرمين الشريفين، تركيا لرئاسة وفد المملكة في قمة 20، التي عقدت بمدينة أنطاليا التركية، وأشاد في برقية بعث بها إلى الرئيس التركي عقب مغادرته تركيا بالنتائج الإيجابية التي توصلت إليها أعمال القمة، والتي سيكون لها كبير الأثر في توثيق التعاون بين دول المجموعة في المجالات كافة.

وفي أبريل عام 2016، وصل خادم الحرمين الشريفين إلى أنقرة في مستهل زيارة رسمية لجمهورية تركيا، تلبية للدعوة الموجهة له من الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان في مقدمة مستقبليه في مطار "ايسنبوا".

وخلال الزيارة منح الرئيس التركي، وسام الجمهورية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وهو أعلى وسام في تركيا يمنح لقادة ورؤساء الدول، بعدها توجه خادم الحرمين إلى مدينة إسطنبول، حيث رأس وفد المملكة إلى القمة الإسلامية 13 لمنظمة التعاون الإسلامي، التي عقدت في يومي 7 و8، من شهر رجب 1437.

 


امتداد العلاقات

في إطار تميز العلاقات بين البلدين، حرص ولي العهد على  ترأس وفد المملكة في أعمال الدورة السنوية 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة، على الالتقاء بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وبحث حينها معه آخر تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والجهود المبذولة تجاهها، وموقف البلدين منها إلى جانب بحث أوجه التعاون بين البلدين خصوصا بما يتعلق بالمجال الأمني.

ويعد ذلك اللقاء الثاني بين الأمير محمد بن نايف والرئيس أردوغان، حيث كانت الزيارة الأولى له لتركيا في شهر أبريل من عام 2015، عندما كان وليا لولي العهد، والتقى حينها الرئيس أردوغان في القصر الرئاسي.

كما التقى ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، في مدينة هانغجو الصينية إبان ترؤسه وفد المملكة في قمة مجموعة العشرين التي عقدت في الصين أخيرا، الرئيس أردوغان واستعرضا العلاقات الثنائية وسبل دعمها، فضلا عن بحث مستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

 





التطابق السياسي

من جانب التوافق السياسي بين البلدين، أكدت تركيا أن رفض المملكة الدخول إلى مجلس الأمن الدولي يجعل المنظمة الدولية تفقد من مصداقيتها، حيث قال الرئيس التركي السابق عبدالله غل للصحافيين في إسطنبول حينها "إن الأمم المتحدة تفقد الكثير من مصداقيتها"، وإن قرار المملكة يهدف إلى لفت نظر المجتمع الدولي إلى هذه الحالة، وينبغي احترام قرارها".

 


 التعاون الاقتصادي

شهد التعاون في المجال الاقتصادي بين المملكة وتركيا منذ توقيع اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي والفني عام 1973 تطورا ونموا مستمرا حتى وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2006 نحو 3 مليارات دولار، وتشكلت على ضوء الاتفاقية اللجنة السعودية التركية المشتركة ومجلس رجال الأعمال السعودي التركي. كما أعلنت الحكومتان العزم الأكيد على توثيق العلاقات الاقتصادية، وعقدتا مجموعة من الاتفاقيات الثنائية شكلت الإطار القانوني المناسب لهذه العلاقات. وقام الصندوق السعودي للتنمية بدور رائد في توفير التمويل الميسر لعدد من مشروعات وبرامج التنمية في تركيا خلال الثلاثة عقود الأخيرة. 


المجالات الثقافية

في المجال الثقافي تأكدت الرغبة المشتركة للبلدين في التعاون الثقافي وتبادل الزيارات من خلال اتفاقية التعاون الثقافي الموقعة عام 1997، وكذلك افتتاح الأيام الثقافية السعودية في العاصمة التركية أنقرة، التي تضمنت صورا لواقع المملكة الثقافي والأدبي والفني تجسد من خلال المعارض والمحاضرات والأمسيات والحفلات والعروض الفنية. وشاركت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بجدة بـ10 أعمال لعدد من المصورين والمصورات الفوتوجرافيين السعوديين في فعاليات البينالي العالمي "الأبيض والأسود" الذي أقيم خلال مؤتمر "الفياب 32" بتركيا في الفترة من 1- 7 سبتمبر2014 .

 


شراكة إعلامية

شهد مطلع العام أيضا توقيع رئيس هيئة وكالة الأنباء السعودية عبدالله بن فهد الحسين والمدير العام لوكالة أنباء الأناضول كمال اوزتورك، مذكرة تعاون إخباري بين الوكالتين، وذلك على هامش المؤتمر الدولي الرابع لوكالات الأنباء في العالم تهدف إلى تقديم أفضل مستوى من المعلومات وتبادل الأخبار المتعلقة بالتطورات في المملكة العربية السعودية وجمهورية تركيا.

 


التعاون العلمي

على الصعيد التعليمي، تم افتتاح المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي، مقرا دائما دوليا في جمهورية تركيا، وذلك في الملحقية الثقافية بإسطنبول لتقديم الاختبارات عبر الحاسب الآلي.

وشاركت المملكة في مسابقة تركيا الدولية لحفظ القرآن الكريم في نسختها الأولى، التي أقيمت في مدينة إسطنبول خلال الفترة من 19إلى 25 رمضان الماضي.