أصبحت الشهادات العليا "الوهمية" ظاهرة لا تقلق أحدا، وكنت أحسب أن الحصول عليها لا يتعدى غرض الوجاهة الاجتماعية والتباهي في "الدال" بمجالس القوم، لكن خاب ظني عندما عرض الدكتور المناضل موافق الرويلي شهادتي دكتوراه لعضو هيئة تدريس بجامعة سعودية وآخر مسؤول جودة بمستشفى جامعي، وخاب ظني مرة ثانية عندما برر وكيل جامعة أن شهادة الدكتور "الوهمي" مصدقة من سفارة بلده!

والخيبات كثيرة ليس أشدها وجعا أن أصبح المجتمع لا يستغرب ولا يندهش عند معرفة أكاديمي بجامعة سعودية رسمية يحمل شهادة "وهمية"، وهنا لا بد أن نزيل اللبس المتعمد الذي يسوّقه البعض بالخلط بين الشهادات الوهمية والشهادات غير المعترف بها من وزارة التعليم، فغير المعترف بها قد تكون فعلاً من جامعة موجودة في بلد ما، لكن بعض الدول لا تعترف بها إما لضعف مستوى الجامعة أو لأسباب أخرى، أما الوهمية فهي مجرد "عناوين إلكترونية" لجامعات غير موجودة أصلاً، ولا يستلزم الحصول عليها سوى رسوم دراسية فقط، ولا يهم حتى إن كنت إنساناً أو حيواناً (منحت إحدى هذه الجامعات شهادة دكتوراه لكلب)، ومشكلتنا ليست مع الكلب ولا مع زملائه -أجلكم الله عنهم جميعا- بل مع الجهات المسؤولة التي أخشى أنها أصبحت كحال المجتمع إذ لم يعد حصول أكاديمي على درجة علمية وهمية أمراً مُلفتاً!

وبعد ذلك يأتي من يسأل عن سوء مخرجات التعليم؟ فعندما يكون الأستاذ دون الحد الأدنى من الأخلاق ماذا نتوقع أن تكون المخرجات؟

أحد هؤلاء غير الأخلاقيين عندما بدأ كلمته في أحد المؤتمرات بدأها ببيتين من شعر (العتابا)، وهنا زاد حنقي أكثر، فالأبيات فنيا في قمة الرداءة (رغم أنه مسؤول الجودة!) وصوته غاية في السوء، وشهادته وهمية أيضا، فكأن قول العرب (أحشفا وسوء كيلة)، كان هو المعني به وحده، وهذه مسألة تستحق التوقف إن لم تكن تستحق (الانسداح)، أقصد أن الفاسدين الذين يأتون إلينا هم من أغبى (حرامية) العالم، فلو كانت -مثلا- شهادته مزورة بطريقة جيدة، لقلنا عنه إنه إنسان سيئ، لكنه مزور محترف، لكن أن يكون إنسانا سيئا ومزورا غبيا، ومع ذلك يخدعنا؟!

أقول (يخدعنا) كي أجد عذرا لنا! وأعتذر من القارئ الكريم فقد بدأت أتشتت، فعندما نستقطب أكاديميا بشهادة وهمية فمن هو الفاسد هو أم نحن؟ وإن خدعنا أليس من المفترض أن نُخدع من مزور وحرامي ذكي؟

الأمر المُستفز الآخر هو الدفاع الإنساني عن هؤلاء بحجة أن لديهم أطفالا وعوائل ويجب ألا (نقطع رزقهم)، وهذه حجة متهالكة لا تصمد أمام إعادة بناء الجملة لتكون:

هل نصمت ونترك هؤلاء الأطفال والعوائل يأكلون حراما؟ وهل نتجرأ أن نسأل أكثر لو علمنا أن "الوعّاظ" لدينا منهم الكثير من حملة هذه الشهادات، خاصة المشاهير منهم؟!