ناصر العُمري



حرصت المملكة على تطوير تعليمها وتحديثه باستمرار، لكي يستطيع مواكبة المستجدات  ومواجهة التحديات، وكان مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم آخر محطة في مسيرة التطوير، بل يمكن اعتباره الأضخم من حيث حجم الإنفاق، لذلك فقد شكل بارقة أمل للمهتمين بالتعليم، حيث كانت الخطة الإستراتيجية والرؤية المستقبلية للمشروع تحملان كثيرا من الأهداف والبرامج والآليات الجيدة.

ما زاد من مساحة التفاؤل هو ما تضمنه المشروع من تحديد لأهم التحديات التي يواجهها  التعليم، ورغم مرور وقت ليس باليسير على بدء المشروع الضخم إلا أننا لا نلمس ذلك التغيير الذي يمكن الحديث عنه، بل الواقع يؤكد أننا نجد أنفسنا محاصرين بحقائق عدة حول المشروع لا يمكن غض الطرف عنها، أولاها أن المشروع حتى الآن لم ينجح في تحقيق رؤية الملك عبدالله -يرحمه الله- رغم أن التخطيط له لم يفصح عن مدى زمني، لكننا كمتابعين نرى العكس، فالإنفاق الضخم على المشروع نتائجه لا تشي بتطوير ملموس، بل الواقع يقول إن ذلك الإنفاق يقابله ناتج تعليمي عادي، ولن أقول ضعيفا على سبيل المداراة لا أكثر.

هذا الواقع له قائمة طويلة من الأسباب، أبرزها اعتقادنا أن التربية هي مهمة التربويين فقط.

ولهذا غفلنا عن أن تطوير التعليم لا يفترض أن يعتمد على التربويين وحدهم، وإنما يعتمد أيضا على مشاركة الفئات التي سوف تستفيد من مخرجات التعليم، ومن أبرز رجال الأعمال في المجتمع، فالتعليم يجب أن يوفر المهارات التي يحتاجها سوق العمل لتحقيق التنمية الشاملة. الخبراء والاستشاريون، من خارج النظام التعليمي، لهم دور وحق في تطوير التعليم وتحديد صورته المستقبلية، بما يتوفر لديهم من خبرات في مجالات متعددة تحتاجها خطط التنمية، وبحكم تفكيرهم المستقل غير المرتبط بإدارات داخل النظام التعليمي.

كما أن المشروع لم يعتن بشكل كاف بالإدارة الذاتية للمدارس كحتمية تربوية، وكذلك فإن المشروع لم يحدث تطويرا أو انتقالا فعليا في مفهوم السلم التعليمي إلى مفهوم الشجرة التعليمية  لتحقيق مستقبل تعليمي مثالي ومطلوب من الناحية التعليمية الفنية.

وللإيضاح ففكرة الشجرة التعليمية تأخذ معنى مجازيا حين تفترض أن يحتوى التعليم على جذع أساسي واحد يمر به كل الطلبة في مراحل تكوينهم الأولى، وهذه المرحلة هي مرحلة التعليم الأساسي، وحاجات المرحلة التعليمية الأساسية تشمل كل وسائل التعلم الأساسية، كالقراءة والكتابة والتعبير الشفهي وحل المشكلات والحساب والمضامين الأساسية للتعلم مثل المعرفة والمهارات والقيم والمواقف التي يحتاجها البشر من أجل البقاء، وتنمية كافة قدراتهم للعيش والعمل بصورة كريمة والمشاركة الكاملة في عملية التنمية وتحسين نوعية حياتهم، واتخاذ قرارات مستنيرة لمواصلة التعليم.

أما الفروع والأغصان في هذا النظام، فهي تمثل أنماطا من المعارف المتنوعة، وكل طالب داخل النظام التعليمي وفق مفهوم الشجرة التعليمية، غير مجبر على دراسة معرفة معينة، بل إن لديه الحرية في اختيار صنوف المعرفة التي تتوافق مع ميوله واهتماماته، وعلى ذلك فإن مفهوم الشجرة التعليمية يراعي التنوع بين الطلبة في الحاجات والاهتمامات والميول وفي أسلوب التعلم الذي يناسب كل طالب.

وهذا المفهوم تم إغفاله ولم يحظ بالاهتمام الكافي، كونه يمثل مكونا مهما من مكونات النظام التعليمي، كما أن "تطوير" لم يسهم فعليا في رفع الروح المعنوية للمعلم ماديا ومعنويا، رغم أن مفاتيح التطوير في الأنظمة التعليمية المتقدمة كانت بيد المعلم والإدارة الذاتية والشراكات المجتمعية، ومدارس "تطوير: كانت في أمس الحاجة لمنظومة تكون فيها الإدارة الذاتية التي تعمل في ظل نظام تعليمي محلي الصنع بمعايير ومؤشرات عالمية ووفق نظام يتسم بالمرونة الكافية والجدية اللازمة ويعتمد على الحكومة والمحاسبية.

لذلك فوجئنا بأن مخرجات مدارس "تطوير" أضعف من مخرجات المدارس التي لا تعمل بنفس النظام في مفارقة مؤلمة ومحبطة.

أما فيما يتعلق بالتدريب وهو محور مهم من محاور التطوير، ما زال يعاني ضعفا، مرده إلى ضعف مخصصات التدريب، وإلغاء بند التدريب، أدى إلى الاعتماد على مدرب ضعيف، وبالتالي ستكون النتائج وردود التدريب ضعيفة، والحال نفسه ينطبق على الدورات الفصلية، حيث هناك انفصال كبير بين المادة التدريبية والواقع الفعلي ولذلك أسباب عديدة، أبرزها على الإطلاق ضعف تقويم محتوى الدورات، وهو ما جعل المتدرب يفقد الحماس للتدريب، وبالتالي يبحث عن الدورة التدريبية لكي تكون متنفسا له لانعدام المردود، وتلك الأسباب مجتمعة شكلت تحديات التطوير كما كانت معايير يمكن من خلالها الحكم على المشروع بالبطء الشديد على أقل تقدير في تحقيق الهدف منه.