لم تقتصر محاولات إيران على تصدير ثورتها إلى المحيط القريب منها، بل ذهبت بعيداً، وحاولت زرع أفكار أيديولوجيتها وتصدير ثورتها إلى القارة الإفريقية، مولية هذه الأخيرة أهمية كبرى، منطلقة من زيارة افتتاحية للسودان عام 1991، ليمتد نشاطها شاملاً دولاً عدة منها جنوب إفريقيا وكينيا وتنزانيا وزيمبابوي وأوغندا ونيجيريا والنيجر والكاميرون والسنغال وجزر القمر والصومال وجيبوتي وغانا.

ويرجع الانفتاح الإيراني على إفريقيا إلى فترة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، الذي أَولى القارة السمراء اهتماماً كبيراً، بعد زيارته السودان عام 1991، أي بعد عامين من إطاحة عمر البشير بحكومة الصادق المهدي.

ومثلَت زيارة رفسنجاني للسودان دعماً كبيراً لحكومة البشير التي كانت تعيش حالة أشبه بالعزلة جراء الحصار الذي يفرضه عليها المجتمع الدولي.

وبالنسبة إلى إيران، فقد كانت هذه الزيارة إيذاناً بعصر جديد في علاقاتها مع إفريقيا، ونقطة انطلاق لتوسيع دائرة اهتمامها بهذه القارة.


إفريقيا ضمن الأجندة الإيرانية

كانت إفريقيا ضمن أجندة كل من تعاقب على الرئاسة في إيران، فبعد زيارة رفسنجاني للسودان، التي أردفها بزيارة أخرى في 1996، جاءت زيارات محمد خاتمي لعدد من الدول الإفريقية، التي أعطَت دفعة جديدة للعَلاقات مع هذه الدول من خلال تأسيس أُطُر ولجان مشتركة ألقى على عاتقها مهمة متابعة الاتفاقيات بين إيران وهذه الدول، وبعده محمود أحمدي نجاد الذي أجرى عدة زيارات لإفريقيا اتسمت بطابع أيديولوجي في أغلبها، مروراً بالرئيس الحالي حسن روحاني الذي أوفد وزير خارجيته محمد جواد ظريف في عدد من الزيارات لشرق إفريقيا في شتاء 2014، وزيارة أخرى إلى دول شمال إفريقيا في صيف 2015، إضافة إلى جولته الأخيرة في دول غرب إفريقيا في يوليو 2016، ولعل هذه الزيارات المتعاقبة تعكس رغبة النظام الإيراني في المضي قُدُماً في توطيد علاقاته مع أكبر عدد من الدول الإفريقية.

ظهرت هذه الزيارات المتعاقبة للمسؤولين الإيرانيين في شكل لجان مشتركة بين هذه الدول وإيران، وأسفرت عن معاهدات ثنائية واتفاقيات في مجالات إنشاء السدود وصناعة السيارات والطاقة والشؤون المالية والمصرفية، إضافة إلى التعاون الثقافي والتعليمي، كما قدمت إيران وعوداً اقتصادية جاذبة اضطرت من خلالها كثير من الدول الإفريقية إلى تقديم تنازلات في ملفات إستراتيجية وأمنية.


السودان يفر من الضغوط الأميركية بعلاقات مع إيران

بعد وصول عمر البشير إلى الحكم في 30 يونيو 1989، شهدت العلاقات السودانية الإيرانية تقارُباً كبيراً، وصل إلى حد التحالف الإستراتيجي في كثير من الملفات، وقد أثارت هذه العلاقة اهتمام العالم العربي عموماً، ودول الخليج على وجه الخصوص.

توجت علاقات البلدين بتبادل الزيارات بين الرؤساء، فزار الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني السودان عامَي 1991 و1996، كما زار محمد خاتمي الخرطوم في 2006 ضمن جولة إفريقية، ثم جاءت زيارة محمود أحمدي نجاد إلى الخرطوم في عامي 2008 و2011.

أما الرئيس السُّوداني فقد سجل هو الآخر عدداً من الزيارات لإيران، بداية بزيارته الأولى سنة 1997 للمشاركة في قمة المؤتمر الإسلامي، ثم زيارته الثانية سنة 2006.

كانت إيران -ولا تزال- ترى أن السودان يمثل مدخلاً إلى الدول الإفريقية والعربية، وكان المسؤولون الإيرانيون دائماً ما يؤكدون في تصريحاتهم عن السودان أنه بوابة تصدير الثورة، إذ وصف وزير الدفاع الإيراني السابق مصطفى محمد نجاد، السودان بأنه "حجر الزاوية في الإستراتيجية الإيرانية بالقارة الإفريقية".

ورغم تَعارُض المرجعية الفقهية والتاريخية للبلدين، اضطرت الحكومة السُّودانية إلى التعاطي ببراجماتية في سياستها الخارجية تجاه إيران، وذلك بسبب حاجتها إلى العون العسكري والسياسي والمالي.

لذا فإن العامل الحقيقي الذي فرض على السُّودان آنذاك التعامل مع إيران كان الاستهداف الخارجي المتمثل في الضغوط الأميركية والأوروبية على حكومة البشير، إذ كان النظام السوداني يرى أن إيران تمثل طوق نجاة له في ظل الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض عليه، بعد إدراج السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، واتهامه بدعم الحركات الراديكالية ومحاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك عام 1995 في أديس أبابا.

وبسبب الحرب الأهلية التي يشهدها السودان، سعت حكومة البشير للاستفادة من الخبرات العسكرية الإيرانية، بدلاً من التقيد باستخدام السلاح الروسي، فضلاً عن طموحه إلى الاستفادة من الدعم الإيراني في تخفيف وطأة الديون الخارجية، لكن لاحقاً أصبحت الديون السودانية لإيران أكبر وسيلة تستغلها طهران للضغط على الخرطوم في سبيل تحقيق أهدافها فيه.

وظلت هذه الديون تشكل عَقبة كبيرة أمام قيام علاقة اقتصادية أكبر، إذ تعسر السودان في دفع الديون، وحاول جدولتها وسدادها، إلا أن طهران ظلت تشترط دفع هذه الديون قبل تنفيذ أي مشروعات جديدة.



دوافع تحرض طهران للبحث عن مناطق انطلاق إستراتيجية

اختلفت دوافع النظام الإيراني من وراء التغلغل في إفريقيا من بلد إلى آخر، بين اقتصادية وسياسية ودينية، ولتحقيق أهدافه في هذه القارة كان لا بد له من البحث عن مناطق إستراتيجية ينطلق من خلالها ويستخدمها مساراً رئيسياًَ لبلوغ الأهداف المنشودة، فكان التركيز على السُّودان ونيجيريا بشكل واضح، وذلك لما يتمتَّع به هذان البلدان من ميزات قلّ أن توجد في بقية دول المنطقة.

وكان لهذا الانفتاح والتركيز الإيراني الكبير على السُّودان ونَيجِيريا، أثر سلبي على النسيج الاجتماعي والثقافي لهاتين الدولتين، كما انعكس سلباً على عَلاقة السُّودان بمحيطة العربي، لذا فإن السؤال الأساسي لهذه الدراسة هو: ما أهم أسباب ودوافع الوجود الإيراني في السُّودان ونَيجِيريا؟

دوافع التركيز الإيراني على السُّودان ونَيجِيريا

- بسبب الموقع الجيو-ستراتيجي الذي يتمتَّع به السُّودان أَوْلَت إيران هذا البلد أهمية كبيرة، لأنه يقع في الفناء الخلفي للعالَم العربي، وفي الوقت نفسه يُعتبر السودان البوابة الشرقية لإفريقيا، لذا سعت إيران لتجعل منه منطلقا لنفوذها على بقية الدول الإفريقية.

- إيران والسُّودان يقفان في مربع واحد في مواجهة الضغوط الأميركية.

- بعد انتصار ما يسمى "ثورة الإنقاذ" في 1989 ومجيء عمر البشير إلى سُدَّة الحكم، تَكشَّف للعالم التوجُّه الإسلامي للنظام الجديد في السودان، فبادرت إيران إلى احتوائه ودعمه باعتباره نظاماً إسلامياً مماثلًا لها في الطرح رغم اختلاف المذاهب، لهذا السبب وجدت إيران في نظام عمر البشير الحليف العربي الوحيد الذي يشاطرها الرؤى الأيديولوجية.

- أما نَيجِيريا فتكتسب أهمية خاصة في عَلاقات إيران بدول غرب إفريقيا، فنَيجِيريا بها كثافة سكانية عالية، وأكثر من نصف سكانها من المسلمين، كما تتمتع بأهمية إستراتيجية واقتصادية باعتبارها من أهمّ الدُّوَل المنتجة للنِّفْط في القارة.

- في نَيجِيريا مناصرون للنظام الإيراني ومتعاطفون معه، فضلًا عن وجود آلاف الشِّيعَة الذين تَأَثَّروا بحركة التشيُّع التي تَبَنَّتْها إيران بعد انتصار الثورة.

تفترض هذه الدراسة أن نشر المَذْهَب الشِّيعِيّ من أهمّ الأهداف التي تسعى إيران لتحقيقها في السُّودان ونَيجِيريا.





استغلال المؤسسات الدينية والمراكز الثقافية لنشر التشيع

عملت إيران منذ بداية انفتاحها على السودان، على نشر المذهب الشيعي كأولوية لإستراتيجيتها في هذا البلد، عبر مؤسساتها الدينية ومراكزها الثقافية في الخرطوم.

ويتمثل دور الملحقيات والمراكز الثقافية بمجالات الآداب والفنون، في التعريف بالبلد وثقافته وموروثاته ومعالمه السياحية والحضارية، ولكن إيران انحرفت بهذه المراكز عن غرضها الدبلوماسي والثقافي المعلن، فصارت منصات للترويج للأفكار والكتب ذات الصلة بالمذهب الشيعِي، كما اجتهدت هذه المراكز طوال السنوات الماضية في تعميق العلاقات الثقافية مع كل الجهات ذات الصلة بالجوانب الثقافية، مثل الصحف والجامعات والمكتبات العامة ووزارة الإرشاد والأوقاف، واتحادات المرأة والشباب والطلاب، وتنظيم احتفالات ذات طابع شيعي، مثل الاحتفال بمولد الإمام الرضا، وميلاد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وذكرى كربلاء، وغيرها.

وتمكنت هذه المراكز من استخراج إعفاءات جمركية، مستفيدةً في ذلك من الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، لإدخال الكتب والأشرطة المسموعة والمرئية، وقد نشرت ووزعت منها كميات كبيرة على المتصوفة والطلاب والمعاهد الدينية بالسّودان.

أسهمت هذه المراكز التي كان يديرها في أغلب الأوقات رجال دين، في اعتناق عدد كبير من السودانيين المذهب الشيعي، بعد تغلغلها وسط الشباب والطلاب والمثقفين ورجال الطرق الصوفية.

فعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة لأعداد الشيعة في السُّودان، فإن التقديرات غير الرسمية تشير إلى وجود ما بين 10 و12 ألف شيعي.

وطبقًا لتقديرات أخرى غير رسمية أيضًا تفيد بأن عدد الشِّيعَة في السودان بلغ 13 ألفاً عام 2013، فإن البعض يشكك في هذه النسبة ويحصر الشيعة السودانيين في عدد لا يتجاوز ثلاثة آلاف شخص.

ويعد انتشار الحسينيات الشيعية في عدد من المناطق بالسودان، لا سيما في العاصمة الخرطوم، ملمحاً آخر لازدياد حركة التشيع، إذ وصل عددها في الآونة الأخيرة إلى ما يقرب من 15 حسينية، وفقًا لتقديرات غير رسمية، فضلًا عن سيطرة الشِّيعَة على عدد من المساجد والزوايا في مختلف أرجاء الدولة.


الواقع يكشف كذب التلويح الإيراني بالمساعدة والتعاون

لتدعيم أواصر التعاون مع الحكومة السودانية، قدمت إيران مساعدات عسكرية وأبرمت عدداً من الاتفاقيات مع حكومة البشير، وبلغ التعاون العسكري الكثيف بين البلدين حد توقيع معاهدة تعاون عسكري عام 2008، وبناء مصنع لإنتاج الأسلحة والذخيرة بالسودان، في استغلال إيراني لحاجة الحكومة الماسة إلى السلاح في حربها ضد الحركات المسلحة في جنوب السودان (قبل الانفصال)، ودارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.

أما على المستوى الاقتصادي فقد وقع رؤساء البلدين خلال الزيارات المتبادلة، اتفاقيات في مجالات التصنيع النفطي والغاز، كما اتُّفِق على فكرة إنشاء صندوق مشترك للاستثمار بمبلغ 200 مليون دولار، بالإضافة إلى إعلان إيران استعدادها للتعاون في مجالات الزراعة والطاقة وبناء المحطات الحرارية وتنفيذ مشروعات المياه والصحة وخطوط إنتاج السيارات والنقل وتجميع السيارات والجرارات الإيرانية بمصانع "جياد" السُّودانية لصناعة السيارات.

لم تستفِدْ حكومة البشير اقتصادياً من فتح الباب على مصراعيه لإيران، فلم ينفذ معظم هذه الاتفاقيات على أرض الواقع، واكتفت إيران بتنفيذ عدد محدود من الاتفاقيات التي تخدم مصالحها وأهدافها في السودان.

هذا التعاون الاقتصادي المحدود لم يكن ليقلق الدول العربية أكثر من التعاون الأمني والثقافي الذي اتسع بصورة واضحة في السنوات الأخيرة، فقد شهدت هذه الفترة رسو السفن الحربية الإيرانية في الموانئ السودانية بذريعة تبادل الخبرات مع القوات البحرية السودانية، إضافة إلى سعي إيران لإنشاء منصة دفاعية على السواحل السُّودانية، هذه الخطوة اعتبرها كثير من الدوائر محاولة إيرانية لاستعراض قوَّتها وإرسال رسائل سالبة ومستفزة للدول العربية، الأمر الذي انعكس سلباً على حكومة البشير وزاد عزلتها عربياً.


طرد الملحق وإغلاق المراكز يشكلان نقطة تحول في العلاقات

جاءت نقطة التحول في العلاقة بين البلدين بعد طرد السودان الملحق الثقافي الإيراني، وإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية، بحجة أن هذه المراكز باتت تنشر المذهب الشيعي بين مواطنيه، وأعلنت وزارة الخارجية السودانية أن تلك المراكز تجاوزت التصديق الممنوح لها، وغَدَت تشكل تهديداً على "الأمن الفكري والاجتماعي في السودان".

جاء ذلك بعد أن أدركت الحكومة السودانية أن الوجود الإيراني في البلاد بات يشكل خطراً حقيقياً على النسيج الاجتماعي للبلاد جراء جهود نشر المذهب الشيعي.

كما مثل التدخل الإيراني ومحاولات تمدده في الدول العربية ودعمه الحوثيين في اليمن، إضافة إلى اقتحام سفارة المملكة العربية السعودية في طهران، وقنصليتها في مدينة مشهد، فرصة مناسبة للحكومة السودانية لقطع عَلاقاتها السياسية مع إيران.

ورغم موقف الحكومة الأخير من الوجود الإيراني وإغلاقها المراكز الثقافية الإيرانية، يرى البعض أن صحوتها جاءت متأخرة ولم تكن على المستوى المطلوب، كما اتهمت هذه الجهات الحكومة بعلمها المسبق بالنشاطات التي كانت ترمي إلى نشر المعتقد الشيعي، إلا أنها لم تتحرك في الوقت المناسب للتصدي لها.


سبل نشر المذهب الشيعيّ في السودان ونيجيريا



  1. السفارات

  2. المراكز الثقافية

  3. الحرس الثوري

  4. الشركات والمؤسسات

  5. رجال الدين


ملامح التشيع في السودان



  •  تقديرات تؤكد أن عدد الشيعة السودانيين يصل إلى 13 ألفاً.

  •  انتشار الحسينيات التي وصل عددها إلى 15 حسينية.

  •  سيطرة الشيعة على مساجد وزوايا في مختلف أرجاء السودان.




مبررات التركيز الإيراني  على السودان ونيجيريا


السودان

1 موقع السودان الجغرافي كبوابة شرقية لإفريقيا.

2 إيران والسودان تواجهان ضغوطا أميركية.

3 توجه نظام عمر البشير الإسلامي جعله يشترك مع إيران في الأيديولوجية


نيجيريا

1  موقعها المميز في غرب إفريقيا.

2  أكثر من نصف سكانها من المسلمين.

3 وجود مناصرون للنظام الإيراني ووجود آلاف الشيعة فيها


 


* بالتعاون مع مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية