أزعم، وبثقة مكتملة، أنني متابع جيد لكل تفاصيل القصة في الشأن اليمني، وأكتب بطمأنينة أن إدماني لنشرات الأخبار وتقارير الساسة والمحللين قد وضعني مع الآلاف من غيري في قلب الصورة. بتنا نعرف حتى أسماء ومناصب الذين يقبعون في الدائرة الخامسة إلى العاشرة، إما من الشرعية أو كتائب الانقلاب. نعرف أسماء الأحزاب والحركات، مثلما صرنا نسمع ونقرأ بالساعة أسماء الجبال والشعاب وحتى المركز والمديرية. الغائب الوحيد، وللغرابة، في هذا المسرح الواسع المكشوف هو حزب الإصلاح، وفضيلة الدكتور عبدالمجيد الزنداني. لم أشاهد لفضيلته صورة واحدة طوال مدة هذه الأزمة إلا ما كان من تلك الصور التاريخية حين شق "جبال الحجاز" ضيفا أسطوريا وفي كل صورة كان يتربع على رأس المائدة في أيام من الزحمة كان فيها اليوم الواحد يتسع لعشر ولائم. بعدها اختفى تماما ولهذا نطرح عليه هذه الأسئلة:
أولا: لماذا وقفت يا صاحب الفضيلة على الحياد التام، ولماذا آثرت كل هذا الصمت؟ والحق أننا جميعا ننتظر الجواب بلهفة وشوق فقد يكون لكم، يا صاحب الفضيلة رأي أو وجهة نظر لم تصل إلينا ولم نتعرف عليها وبالخصوص لأنكم زعيم حزب وقائد جماعة يعرف جيدا بواطن الشأن اليمني وسياسي بارع في المناورة وفي القفز الآمن من شجرة إلى أخرى، وأحيانا، يا صاحب الفضيلة، قد يكون الحياد أو الاختفاء تعبيرا عن موقف سياسي فأنر دربنا يا فضيلة الشيخ: هل اختفيت لأننا أخطأنا في الحالة اليمنية بالمجمل؟ هل أخطأنا في التفاصيل أو في التحالفات وهوامش إدارة الأزمة؟ هل أخطأنا في الإستراتيجية.....؟
ثانيا: كيف ستبرر هذا الحياد المكتمل والاختفاء السياسي أمام جمهورك في العمق السعودي؟ أنت بهذا الموقف الرمادي أحرجت وستحرج على الأقل أولئك الكرام الذين فرشوا أمامك موائد الطعام من أبها حتى الطائف، ومن جدة حتى المدينة المنورة. لقد كان هؤلاء ونحن أيضا نتوقع أن يكون خروجكم المشهود من اليمن منعطفا جوهريا في شكل الحرب وأنتم تتحررون من الرقابة والملاحقة وكنا معهم نتوقع أنك ستكون (هنا)، ومن جديد، يدا ولسانا تحرك الأتباع الخلص من الذين أعطوك وحزبك أكثر من ثلث الأصوات في آخر اقتراع نيابي. أنا أربأ بكم يا صاحب الفضيلة أن تختفي تماما بما يشبه اختفاء الإمام موسى الصدر صورة أمام الفلاشات على آخر مائدة طعام. أنت يا شيخنا لم تأت جائعا لتأكل. ثالثا: ماذا ستقول لأنصارك في العمق اليمني بعد هذا الحياد والاختفاء؟ ماذا ستقول يا صاحب الفضيلة للبسطاء المحاصرين في تعز ونحن نعلم أنها الحاضرة التاريخية لحزب الإصلاح والحاضنة الأساس له؟ لماذا آثر حزب الإصلاح هذا الانسحاب، لا عن حاضرته وحاضنته، بل أيضا من كل عذابات المسرح السني الخالص: من مأرب إلى البيضاء، ومن إب إلى عدن، مرورا بتعز، ومن ميدي إلى الحديدة وحتى إلى حرض؟ لماذا كان حزب الإصلاح هو الوحيد الغائب المختفي عن طلقة أو كلمة أو تصريح أو بيان أو حتى حملة إغاثة. لا تقل لنا أبدا أبدا إننا نتحامل لأن هذا الموقف منكم ومن حزبكم واضح وضوح جبل صبر فوق جنوب تعز.