تلتئم قمة العشرين في الرابع والخامس من سبتمبر القادم في الصين، والعالم يشهد تطورات وتحولات كبرى وغير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. وتعتبر هذه القمة إطاراً بديلاً للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتضم الدول الصناعية الكبرى الثماني، بالإضافة إلى إحدى عشرة دولة والاتحاد الأوروبي. تأسست اجتماعات العشرين بعد الأزمة التي واجهتها الدول الصناعية عام 1999، ودعت إلى اجتماعاتها وزراء مالية دول الاقتصادات الكبرى في العالم، لتتحول بعدها إلى قمة دورية عُرفت بقمة العشرين.
تمثل دول العشرين ما يقارب 65% من سكان العالم. ونستطيع أن نعتبر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تمثل العالمية، أما قمة العشرين فهي تمثل قمة العولمة المحققة على المستوى الاقتصادي والمالي وغير المحققة على المستوى الاجتماعي الإنساني. لذلك، يستطيع الخبراء الاقتصاديون التحدث عن تفاصيل القضايا المطروحة على القمة لجهة الاقتصاد، ولكن الواقع الآن هو التداخل بين الاقتصادات والأزمات السياسية والأمنية التي يشهدها العالم ومنطقتنا بالذات.
كانت المملكة العربية السعودية من الدول الأساسية في مجموعة العشرين منذ انطلاقتها، وهي الدولة العربية الوحيدة في هذه المنظومة. وقد تميز حضورها بجعل القضايا العربية في صلب الاهتمامات الدولية على المستويين الاقتصادي والسياسي، وقد كان تأثيرها أكثر فعالية من مجلس الأمن المحكوم بالدول الخمس التي تملك حق النقض، على خلاف قمة العشرين والحضور السعودي وحجم اقتصادها وصداقاتها وعلاقاتها التجارية مع العديد من دول المجموعة مما عزز من تأثيرها.
يشارك ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في قمة العشرين في الصين الأسبوع المقبل، بصيغة مغايرة للسنوات الماضية، إذ يتطلع العالم إلى الشراكة الفعلية في مواجهة التداعيات الخطيرة للنزاعات التي تدور في منطقتنا، والتي تصدت لها المملكة العربية السعودية وهي تقود التحالف العربي في اليمن المكون من 10 دول، إضافة إلى استضافة التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب الذي يضم 40 دولة إسلامية، إضافة أيضا إلى مشاركتها في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
أعتقد أن مشاركة ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي في قمة العشرين ستضع قضايا المنطقة في أولوياتها، من اليمن إلى سورية إلى العراق إلى ليبيا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، مما يجعل قمة العشرين تتعامل مع التطورات العسكرية والميدانية ومعالجة الملفات الساخنة في المنطقة كأساس للاستقرار الاقتصادي، خصوصا أن العالم ينوء بأعباء اللجوء والإرهاب الذي قد يتعاظم في الأيام المقبلة، بعد الموصل في العراق والرقة في سورية، إضافة إلى تداعيات حلب وصنعاء.
سيشارك في هذه القمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بصفة ضيف على القمة مع آخرين، مما يجعل من التحالف السعودي- المصري قوة تأثير على الاجتماعات وآفاق السلام في المنطقة. وربما تكون قمة العشرين في الصين أشبه بمؤتمر فرساي 1919 بعد الحرب العالمية الأولى والذي أنتج عصبة الأمم، وأيضا مؤتمر يالطا بعد الحرب العالمية الثانية 1945، ومؤتمر سان فرانسيسكو في العام ذاته الذي أنتج الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تحدثنا عن مشاركة ولي ولي العهد السعودي في قمة العشرين بأبعادها السياسية والأمنية، لأن الاقتصادات الآن تعاني من التأزم السياسي والأمني. أما على المستوى الاقتصادي، فالسعودية تحضر هذه القمة بعد إطلاق رؤيتها 2030، والتي تحاكي الاقتصادات العالمية مع تغيير جذري في الأسس الاقتصادية، وبعيدا عن الإدمان النفطي كما عبر عنه ولي ولي العهد السعودي خلال تقديمه الإستراتيجية السعودية. فالسعودية الآن تحمل مشروعا لاستقدام الرساميل والاستثمارات، بينما كانت تتلقى عروضا من الدول للاستثمار خارج السعودية. وبذلك تكون مشاركة السعودية في قمة العشرين كممثلة للتحالف العربي من 10 دول والتحالف الإسلامي من 40 دولة والرؤية الإستراتيجية السعودية 2030.