"جموعُ المسلمون يرفعون أكفّهم داعون الله ..."، هكذا قالها أحد المذيعين الشباب يصف نفرة الحجيج، وهكذا ينفر المشاهد من متابعة القناة فارّاً بما بقي من معرفته اللغوية إلى قناةٍ لا يشعر حين يتابعها بأنه يعيش في عصر الرداءة الإعلامية.
كانت سعادتنا بافتتاح قنواتنا الرسمية الجديدة كبيرة؛ ذلك أنه حلمٌ تحقق بقرار حاسم في وقتٍ مناسب، وكتب الكثيرون عن آمالهم العريضة في هذه القنوات.
تحققت بعض هذه الآمال لولا المنغّصات الناجمة عن الارتجال في اختيار المذيعين والمذيعات.
يظن بعض الشباب أن ظهورهم على الهواء مباشرة في برنامجٍ أو تقرير سيمنحهم بطاقات تخوّلهم العبور إلى عالم المذيعين الناجحين، وما يتبع ذلك من الشهرة والنجومية، وليس الأمر كذلك.
المذيع هو الصورة النهائية للجهد الهندسي والإعدادي، فإن لم يُحسن ساءتْ كل تلك الجهود، وأصبحت فشلاً تذروه الرياح، وتلوكه ألسن الناقدين، وأقلام الناقمين، وسخريّات المتشفّين.
الحماس والاجتهاد ليسا مبررين كافيين لظهور المذيع أو المذيعة في برنامج مباشر يشاهده الملايين منّا ومن غيرنا، وإنما المبرر الأول هو التمكن من اللغة نحواً وأسلوباً وأداء، ومن لم يكن قادراً على تقويم اعوجاج لسانه فعليه أن يبحث عن مهنةٍ أخرى تصلح له، ويصلح لها.
المشكلة الكبرى التي أفرزتها قنواتنا الجديدة هي تزاحم الكثيرين من الطامعين في الظهور والشهرة على أبواب هذه القنوات، وتصير المشكلة أكبر من كونها كبرى حين تنعدم معايير اختيار المذيعين والمذيعات، وتصبح تعبئة ساعات البث الطويلة مبرراً لكثرة الغثّ والسقيم والمتردي والهزيل.
تشجيع الشباب مبدأ ممتاز في ظاهره، بيد أنّ من المهم ألا يتحول هذا التشجيع إلى مجاملاتٍ طاغية على حساب صورتنا أمام العالم، وأمام الإعلام العربي العريق الذي نريد أن نتجاوزه، ونحن قادرون على ذلك إن نحن مارسنا الصرامة، وجعلنا الشاشة أمنية لا تتأتى إلا للراسخين في اللغة.
فرصة تصحيح الخطأ معدومةٌ في البرامج المباشرة، ولذا يتحتم ألا تكون البرامج المباشرة ميداناً لتجربة المذيعين، بل يجب أن يكون الظهور على الهواء مرحلةً نهائية يصل إليها المذيع بعد أن يجتاز غيرَ اختبار.
ليس المؤهل العلمي كافياً ليكون الفرد مذيعاً, وليست الخامات الصوتية الجيدة شفيعة لمن لا يمتلك اللغة، فكيف بنا أمام من يفتقدهما معاً.
لا يستحيل على المذيع أن يحسّن أدواته اللغوية إن هو شعر بضعفه، ولن يكن ذلك إلا حين يدرك ضعف لغته، ولن يدرك إلا حين نصارحه.
عدم التكلّف لا يعني الخروج من دائرة اللغة، لأن قيمة الكثير من البرامج كامنةٌ في لغة مذيعيها وأدائهم.
نريد نسخاً أخرى من: ماجد الشبل، وغالب كامل، ومحمد الصبيحي، ومحمد العوين، وأمثالهم.. لنشعر بأنّنا لا ننحدر.