هذا شاب مات وهو يستمع لأغنية (نار يا حبيبي نار) فغسلوه وكفنوه وحين أرادوا دفنه كانت المفاجأة التي صدمت الجميع أن "الشجاع الأقرع" لم يكن ينتظره في القبر، كما أكد الحكواتي وأقسم مراراً! وهذه فتاة كانت تمسك بالريموت وتقلب بين القنوات ثم ماتت على هذه الحال إلا أن ما أربك الحضور وأصابهم بالحيرة أن الريموت لم يلتصق بيدها، كما هو متوقع! وهذا مراهق فاسق تعرف على فتاة وواعدها، وفي مكان اللقاء كانت صدمته بالغة حين لم يجد أخته بصحبة شاب آخر في نفس المكان! وهذه فتاة كانت معجبة بأحد الفنانين وتعلق صوره في كل مكان، وعندما حان أجلها أخذ الصالحون يلقنونها الشهادة إلا أنهم صدموا حين نطقت الشهادة فعلاً!

ويحكى أن امرأة مؤمنة صالحة ماتت على سجادتها في نهار رمضان، وحين شاهدها أبناؤها تفاجؤوا بأنها لا تبتسم! كما يروى أن شاباً ذهب للجهاد ثم استشهد فدفنه أصدقاؤه وبعد سنتين فتحوا القبر ليصدموا بأن جثته قد تحللت تماماً خلافاً لما جاء في القصص! كما ويقال إن شابا نشأ في طاعة الله، بارا بوالديه، محافظا على صلاته، وحين وافته المنية تساءل المشيعون في دهشة: ما لنا لا نشم فيه رائحة المسك؟!

إن قصص الصحوة على أيامنا كانت بمثابة عالم افتراضي لا مرئي، تم ترحيل عقول الكثيرين إليه تنفيرا من الدنيا وملذاتها، إنها خليط من المنامات والحكايات المفبركة والأحاديث الضعيفة، بالإضافة إلى بضع قصائد وحكم تخدم الحبكة الدرامية للقصة، وفي الخلفية تأوهات وأصوات غير منطقية، إنها لم تكن أكثر من قصص خرافية عن شجاع أقرع يسكن القبور وجثث تفحمت لأن أصحابها كانوا يحلقون لحاهم أو يسبلون ثيابهم، وفتيات تم دفنهن ببناطيل الجينز وأخريات تيبست أجسادهن واسودت جلودهن لأنهن رقصن في الأعراس. إنها قصص كانت موجهة للغرائز لا العقول، وما يتم توجيهه للغرائز يتحول مع الوقت لحقيقة متكاملة العناصر، وهذا ما حدث في تلك الفترة.

إن الهدف من قصص الصحوة هو زرع الخوف في صدور الجميع، ونشر حالة من القلق في المجتمع، ونزع الإحساس بالأمان بين الأفراد، وذلك كي تسهل عملية الإحلال الثقافي والفكري والعقدي، وفعلا نجحت الإستراتيجية في تشويه عقائد وثقافة الكثيرين، وجعلتهم يبنون إيمانهم عن خوف ورهبة، وكأنهم أرادوا بالإيمان دفع عقوبة من الله واقعة لا محالة، حتى وإن كانت الذنوب من الصغائر فلا مأمن هنا ولا راحة بال، ولا يمكن القول عن قصص الصحوة في تلك الفترة إلا أنها نجحت في تشويه ثقافة الكثيرين وأفكارهم تجاه الحياة والمجتمع والجنس الآخر وحتى تجاه أنفسهم.

لنتأمل فقط في القصص الصحوية المعنونة بـ"كما تدين تدان"، و"دقة بدقة"، كم من أخ ضيّق على أخته وكم من زوج أذاق زوجته وابنته العذاب، والسبب أنه حين ضعف أمام شهواته فورا تملكته قناعة يقينية بأن الله سينتقم منه ولا شك بأن تساق أخته أو زوجته أو ابنته للمعصية! وأين المفر أمام هذا العاصي حينها إلا بحبس نساء بيته وتضييق الخناق عليهن؟! ليتم إدراج ما فعله داخل السياق القصصي وكأنه نصر من الله مبين يؤكد صحة ما يقصه الحكواتي.

إنها قصص صورت للفتاة أن الشاب ذئب مسعور سيلاحقها ويباغتها في أي لحظة لنهش لحمها وهتك عرضها، وصورت للشاب أن الفتاة كائن إبليسي مهمته الوحيدة أن يقوده لجهنم وبئس القرار، ثم صورت للمجتمع أن لا خلاص من كل هذا الرعب إلا باللجوء إلى معايير الالتزام التي تم رسمها بريشة الصحوة، حينها سينقلب الفتى إلى حمل وديع وتتحول الفتاة إلى ملاك طاهر، حينها ستخرج من أجساد الصالحين رائحة المسك وتعلو وجوههم ابتسامة الرضا، وحينها ستنزل الملائكة لتترضى على الملتزمين وتبتعد الشياطين عن دروبهم خوفا ومهابة.

ختاما، نحن لدينا يقين بأن الله سيعاقب الشاب الفاجر بالموت احتراقا وعلى مرأى ومسمع من الجميع، و"بشار الأسد" لا يزال يبتسم وربما يأكل الكافيار، ونحن لدينا يقين بأن الله سيعاقب من ترقص في الزواجات بميتة بشعة! كان لدينا خلل على أيام الصحوة ولا شك، ولا تزال أجزاء كبيرة من الخلل تهيمن على ثقافتنا الدينية إلى اليوم، ولا يمكن إزالة كل هذه التشوهات ببساطة، فجزء ليس بالبسيط من مفاهيمنا الدينية قد تشكل بناء على الإيمان اليقيني بحدوث أشياء لم تحدث أبدا، ولن تحدث أبدا.