ليس سهلا أن يودع أب ابنه باطن الأرض ويغادر دون أن يخلع قلبه في المكان. مقومات الحياة في جسده تبدو ضعيفة، تتهشم لأبسط ظرف قد يمر به لاحقا، لذلك بعض الآباء والأمهات لا يمكثون طويلا بعد رحيل أبنائهم، هذا وفقيدهم قد يكون واحدا، فكيف من فقد اثنين أو أكثر؟ رحمة الله بعباده واسعة، لكن قوة الصبر والتحمل تختلف من إنسان لآخر، وطبائع النفوس البشرية أيضا تختلف، غير أننا لا نملك ونحن الأضعف في هذا الموقف الجلل إلا التضرع للمولى -عز وجل- أن يربط على قلوب الآباء والأمهات ويخفف عنهم مصائب الفقد، سواء ما كان فقده بسبب حادث سير أو مرض أو من كان على التخوم يطارد فلول الأعداء، أو من طالته يد الغدر وهو آمن في حياض الوطن، ليضمخ الأرض بدمائه الطاهرة وروحه تصعد إلى السماء فرحة مستبشرة بالشهادة، فتكون في سرب من قال عنهم المولى -عز وجل- في محكم كتابه: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ". وهذه بشراكم يا من رحل أبناؤكم في قصف الثلاثاء الماضي بعد استهداف جبان من عصابات الحوثي للمدنيين، وإن لم يكن الأول.

 هذا المصاب لم يزد ذوي الشهداء إلا ولاء وثباتا، واستعدادا تاما لتقديم المزيد من أبنائهم فداء لتراب الوطن.

هناك فئة شاذة أو ربما مريضة قللت من شعور التعاطف مع أسر الشهداء، معتبرة أن في الأمر تضخيما، وأيا كان رأيها فهو يتعارض مع كل الأصوات التي استنكرت وشجبت الفعل. فكافة القوانين الدولية تمنع استهداف المواطنين العزل، وهنا العدو ضعيف جبان لا يقوى على المواجهة في الميدان، لذلك أفراد ميليشياته يختبئون في الجحور كالجرذان التي لا تبارح المكان إلا وتعود خائفة مذعورة.