بداية؛ لا أكتب احتجاجا على رسوم إزالة النفايات، فمعظم الدول المتقدمة تفرض على مواطنيها الرسوم مقابل الخدمات الحكومية، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: متى يحق للجهة فرض الرسوم؟
الجواب: عندما يتضح للمواطن العادي التأثير الإيجابي للوزارات الحكومية والشركات المعنية، وأن جُل تركيزها في تحسين أداء الخدمات للمواطنين، تلك الدول أيقنت أنه من غير المفيد أن نلزم المواطن بدفع الرسوم مع تكلفة سوء الإدارة للجهات التنفيذية.
لن أتحدث عن تجربة بعض الدول المتقدمة وتدابيرها في إزالة النفايات، فقد تكون المقارنة في غير محلها، ولكني سأتحدث عن مدينة تمثل في حقيقتها أيقونة المدن السعودية، بل تكاد تكون القدوة في بناء المدن العالمية، هي مدينة "الجبيل الصناعية".
هذه المدينة يمكن النظر إليها باعتبارها ترمومتر قياس درجة الفساد في مدن سعودية أخرى، تتمتع بميزانيات ضخمة، وتُنفق كثيرا على مشاريعها البلدية، لكن للأسف دون جدوى! الهيئة الملكية في الجبيل الصناعية حققت في واقعها ما عجزت عنه كثير من الوزارات والهيئات والمؤسسات الوطنية، إذ وجهت بوصلتها نحو تحسين الأداء وإستراتيجية صناعة الفرق، ويمكن ملاحظة ذلك مع أول اختبار هطول أمطار عليها؛ فستجد بعد ساعات قلائل أن الشوارع والطرق الرئيسية لم تتأثر، إذ تظل شبه جافة.
أما عن إدارة ومعالجة النفايات في المدينة، فكانت أولوية رئيسية كونها عنصرا من عناصر التنمية المتوازنة والمستدامة.
وهذه بعض التفاصيل المثيرة التي تستحق الصدمة، لمن يعرف كيف يمتصها ويستفيد منها:
-1 أسطول معدات النظافة في المدينة يصل إلى أكثر من 350 معدة، كلها صديقة للبيئة، ومملوكة للهيئة، وتدار بإدارة النظافة.
-2 يمنع عامل النظافة من الوقوف على الشاحنة خلال تجميع النفايات، فقد تم توفير كرسي خارجي، وبحزام أمان لتفادي السقوط، إضافة إلى جهاز تنبيه يتواصل خلاله العامل مع سائق المعدة.
-3 معدات نظافة الطرق السريعة في المدينة هي الأولى من نوعها في المملكة.
-4 من النادر جدا أن ترى القطط الضالة في المدينة، وذلك لأن مكبات النفايات تغسل وتعقم بشكل دوري.
-5 هناك توجه للاستغناء عن العمالة الراجلة واليدوية لالتقاط المخلفات، واستخدام معدات صغيرة تتجول في الشوارع بديلا، كفاءة الواحدة منها عن 10 عمال.
-6 تشغيل حاويات نفايات ضاغطة تحت الأرض وإحلالها بدل 30-35 حاوية تقليدية لتحقيق العوائد الأتية: توفير تكلفة التفريغ اليومي بمعدل 60-70%، وتوفير كلفة نقل النفايات إلى المردم بمعدل 60-70%، وتوفير ما يزيد على 35 موقفا للسيارات، كذلك التقليل من استهلاك الوقود، والتقليل من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن نقل الحاويات.
-7 الخدمات المجانية السريعة في توفير حاويات النفايات لأعمال الترميم في المنازل، وكذلك خدمة التخلص من الأثاث والأجهزة، وتلقي جميع الطلبات عن طريق الهاتف المجاني على مدار الساعة، أو من خلال استخدام تطبيقات الأجهزة الذكية.
-8 تملك الهيئة الملكية مردما لتجميع النفايات، والذي يعدّ وفقا لشهادة الأمم المتحدة من أفضل المرادم على مستوى الشرق الأوسط.
-9 تطبيق الغرامات على رمي المخلفات في الطرق وتحرير مخالفة مرورية بقيمة 200 ريال.
-10 تدوير النفايات في المدينة يهدف إلى صفر نفايات بحلول 2024، بحيث يكون الفرز من المصدر نفسه، حينها سيتم إغلاق المردم.
لماذا نجحت الهيئة الملكية وأخفقت غيرها؟
سؤال بحاجة إلى دراسة وبحث للإجابة عنه، ولكني أظن -وبعض الظن إثم- أن التحدي والتطوير والانضباط والكفاءة هي أحد أهم مفاتيح النجاح التي تمتلكها الهيئة، وليس هناك أي وجود لمفتاح فرض الرسوم.