لم ينتهِ عام 2010. لكن أنظار الفرنسيين واهتماماتهم "تقفز" فوق عام 2011 وتتجه صوب عام 2012. وليس من المبالغة القول إن مئات الدراسات والمقالات والتحليلات واستطلاعات الرأي وعشرات، نعم عشرات، الكتب كرّسها أصحابها للعام ما بعد القادم. السبب وراء هذا الاهتمام كلّه هو أن عام 2012 هو موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، أي الاستحقاق الأكبر في الحياة السياسية الفرنسية، خاصّة في ظل دستور الجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال ديغول عام 1958 ويتمتع فيها الرئيس بصلاحيات واسعة. الرئيس الفرنسي الحالي هو رئيسها السادس.

لا شكّ أن جميع الانتخابات الرئاسية في فرنسا تثير النقاشات قبل موعدها. لكن "الضجيج" يتجاوز هذه المرّة المألوف. ولا شكّ أنّ مكونات العملية الانتخابية القادمة لم تنضج بعد. لكن هذا لا يمنع في الواقع أن جميع الأطراف تحاول التحضير لـ "طبخها" على نار هادئة.

الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي، هو المرشّح الوحيد المؤكّد. وهو أيضا الخصم الذي تتجه صوبه الكثير من الحراب. واستطلاعات الرأي كلّها تشير اليوم إلى أنه "خاسر". هذا على خلفيّة سلسلة من الأزمات وحالة من القلق العميق حيال المستقبل.

في مثل هذا السياق تعددت الآراء القائلة إن الحزب الاشتراكي عاد إلى السباق، بل اعتقد بعض المراقبين "العجولين" أن فوز اليسار غدا مضمون في الانتخابات الرئاسية القادمة. لعلّ المعطيات القائمة اليوم تسمح بالقول إن اليمين قد يخسر، لكن هل يستطيع اليسار أن يفوز؟.

معسكر اليسار الفرنسي كلّه يعاني عامّة منذ سنوات من نضوب كبير في الأفكار ومن التزوّد بأي مشروع حقيقي لمواجهة التحديات المطروحة، كما هو الحال في بقيّة البلدان الأوروبية. والحزب الاشتراكي يعاني من أزمة زعامة ومعركة اختيار مرشحه لخوض الانتخابات الرئاسية قد تكون باهظة الثمن بسبب "زحمة" الطامحين الذين أعلنوا عن تطلّعاتهم منذ الآن.

السيّدة مرتين اوبري، الأمينة الأولى للحزب اليوم هي الشخصيّة الأبرز، لكن هناك انتخابات أوّلية لاختيار المرشح ولا يكفي احتلال كرسي الأمانة العامّة للفوز بترشيح الحزب. وهناك خطر "يسار اليسار"، اليسار المتطرّف الذي يرفض مبدئيا الانضواء تحت لواء اليسار "التقليدي".

ما يتفق حوله الجميع في فرنسا هو أن الحملة الانتخابية الرئاسية قد بدأت مبكّرة جدا بالفعل وقبل فترة طويلة من "موسمها" الرسمي. والرئيس ساركوزي هو بصدد البحث عن كيفية "عكس التيار" بهدف كسب الرأي العام الذي يُظهر اليوم "جفاءً" واضحا حياله. والإشارة الأولى ستكون تغيير الحكومة في الأسابيع وربما في الأيام القريبة القادمة.

إن ملامح الاستراتيجية التي سيخوض فيها الرئيس ساركوزي معركة الانتخابات الرئاسية القادمة واضحة من الآن. إنه سيكون مرشّح التشدد في الخطاب "الأمني" في مواجهة يسار متّهم بـ"التراخي" في هذا الميدان.

ولا شكّ أن مسألة الهجرة والمهاجرين ستكون أحد مواضيع الحملة الانتخابية الرئاسية القادمة في منظور كسب نسبة من شرائح ناخبي اليمين المتطرّف الذي جعل من المهاجرين، وخاصّة المسلمين منهم، سبب جميع المشاكل التي يعاني منها المجتمع الفرنسي.

ويتم التركيز منذ الآن على تقديم الرئيس ساركوزي كرجل الإصلاح الاقتصادي المصمم على تحديث البلاد ودفعها للاستجابة إلى مستلزمات العولمة والعصر. هذا في مواجهة اليسار المتهم بـ "الجمود" و"اللا مسؤولية".

مؤكدٌ أن الرئيس ساركوزي سوف يحاول الاستفادة "داخليا" من رئاسته لقمّة العشرين في كوريا الجنوبية خلال يومي 11 و12 نوفمبر الحالي وتستمر رئاسته لها حتى مثل هذا الشهر من العام القادم 2011. وسيحاول أن يدفع فرنسا إلى مقدمة المسرح الدولي. الرسالة الرئيسية للفرنسيين عبر ذلك هو أن بلادهم لاعب أساسي في الهيئات التي تقرر مصير العالم.

الانتخابات الرئاسية الفرنسية هي أوّلا بالتأكيد شأن داخلي. لكن رهاناتها، بالتأكيد أيضا، أبعد من ذلك هذه المرّة. ولعلّ هذا ما يفسّر الصخب المبكّر حولها.