إن إعادة هيكلة وزارة النقل وفروعها يُعد خطوة في الاتجاه الصحيح لتحقيق متطلبات التحول والتنمية الشاملة وإدارة وقياس مستوى الخدمات والمشاريع وفق مؤشرات الأداء الرئيسية (KPI)، كون التغيير جاء بكفاءات شابة ودماء جديدة للرفع بها إلى مواقع العمل والإنتاج، ولعّل هذا التوجه من الوزير جاء بعد رؤية ودراسة دقيقة لحاجة العمل ومواكبة المرحلة المستقبلية التي تتطلب إيجاد مبادرات وتطوير شامل والقضاء على الروتين والبيروقراطية التي تذهب معها الكثير من فرص الإنجاز، بسبب الدورة الطويلة من الإجراءات والمخرجات غير المرضية، وبالتالي انعدام روح الإبداع والمبادرة.
التوجه الذي اختطته وزارة النقل باختيار كفاءات شابة لمراكز قيادية سيحقق - إن شاء الله - دعما لأهداف الوزارة، وسيجعل من تلك الكوادر مراكز قوة وإبداع نحو الإنتاج وإثبات الذات، والرفع من سقف إنتاج إدارته، وتقديم المبادرات المثمرة مع ما تحتاجه هذه القيادات الشابة من برامج تدريبية مكثفة والاطلاع على تجارب مميزة في الداخل والخارج حتى تصبح قادرة على التعامل مع المتغيرات الاقتصادية والتقنية واستشراف المستقبل ومواجهة التحديات بفكر إداري منتج يوجد الحلول ويصنع الفارق وبتكاليف أقل وفق أساليب وأدوات جديدة في الإدارة والقيادة. فالمركز الإداري ليس بالضرورة يكون حصرا على صاحب مرتبة متقدمة نتيجة خدماته خلال السنين أو شهادة علمية يصاحبها جمود في التفاعل وضعف في الأداء، إنما تعطي المواقع القيادية لمن يملك بزمام المبادرة وأصحاب الرؤية في الإعداد والتخطيط وإيجاد الحلول، وبالتالي فإن وزارة النقل صاحبة السبق في كسر قاعدة المفهوم الإداري المتعارف عليه بإعطاء الأولية لذوي المراتب والخبرات المتراكمة في إسناد المهام القيادية إليهم، مع تقديرنا لأهمية الاحتفاظ بمن لديه رصيد إداري جيد والاستفادة منه في مواقع مختلفة. وزارة النقل بهذه الخطوة تؤسس لكثير من الأجهزة الحكومية باتخاذ خطوات مماثلة بنفس الاتجاه، ومنح الكوادر الشابة فرصة القيادة والإبداع ومواكبة المرحلة المستقبلية، وتحقيق تطلعات رؤية المملكة 2030 خاصة بعد ما منحت وزارة النقل ممن اختارتهم كمدراء لفروعها بالمناطق صلاحيات واسعة. ولعل أهمها صلاحية مدير الطرق بالمنطقة للعمل وفق ما يقرره مجلس المنطقة وهذه من الثمار المهمة في القرار، كونه في السابق كثير من الرؤى والقرارات التي يتوصل إليها المجلس يتم الرفع بها لمراجع تلك الإدارات، لأن مدير فرع الوزارة عضو مجلس المنطقة لا يملك صلاحية الموافقة على تنفيذ قرارات مجلس المنطقة. ومنح هذه الصلاحية ستوفر الكثير من الوقت وتقطع الطريق أمام الروتين وتعزز مسيرة عمل المجلس وتناغم العمل بين المجلس وأفرع الوزارات بالمنطقة، كون الجميع هم الأقرب إلى الواقع ومعرفة مدى الحاجة لكل جزئية بالمنطقة، وتحديدا مجلس المنطقة لقربه ومعرفته لظروف وطبيعة وأولويات احتياجات المنطقة وما تتمتع به من مزايا ومقومات. وهذا يدفعني للقول إن هذه الخطوة الجريئة للوزارة ستعطي بمشيئة الله، ثمارها الطيبة على واقع التنمية ومتطلبات المواطن، مع يقيني بأن القيادات الشابة سيعمل وفق محورين من الاهتمام، الأول الإنجاز بشكل متسارع في ظل منحه الصلاحيات اللازمة وربط مستوى أدائه بمؤشرات واقعية وعملية. أما المحور الثاني فهو إثبات الذات وتحقيق فرص النجاح من أجل تطوير واقعه ومساره الوظيفي كونه في مستهل مشواره العملي.
نتطلع إلى قيام الأجهزة الحكومية باتخاذ خطوات مماثلة لوزارة النقل، حيث إن أغلب أفرع الوزارات في المناطق ليس لديها صلاحيات كافية في اتخاذ القرارات المناسبة لمصلحة العمل، فعلى سبيل المثال الأمانات والبلديات بحاجة إلى مزيد من الصلاحيات في إدارة واستقطاب وترسية الفرص الاستثمارية لديها ومنحها مرونة منضبطة في إدارة الملف الاستثماري وبشكل مباشر، بالإضافة إلى صلاحية معالجة مشكلة تعدد الأدوار وفق ما يقرره مجلس المنطقة، بالإضافة إلى حاجتها إلى تطوير الكادر الهندسي والتقني والإداري الذي يستطيع رفع سقف الخدمات المقدمة والإيرادات، كما أن المصلحة العامة والمرحلة القادمة تتطلبان أن يكون تكليف مسؤول لموقع قيادي مرتبطا بخطة عمل ومؤشرات قياس لما سيتم إنجازه خلال مدة زمنية معينة، كون الوظيفة والموقع القيادي ليسا شكلا من أشكال الوجاهة، إنما واقع للعطاء والإنجاز وتحقيق طموحات الوطن والمواطن. حفظ الله الوطن وقيادته وأدام على ربوع مملكتنا الأمن والاستقرار والخير والنماء.