أصبحنا نردد: سوف نفشل!، لا يمكن أن نتخطى تحديات كهذه، لا يمكن أن ننتصر!، فنستدير ونحارب أنفسنا، ليس لضعف ولا لانعدام القدرة، بل لأننا لم نعد نبدع إلا بالرسائل السلبية، فإن لم تأت من الخارج اخترعناها، ثم نذرف الأدمع الكاذبة. وعلى ماذا على لا شيء! إذن سنبقى في هذه الدوامة جيلا بعد جيل إلى أن نستيقظ!
ننظر إلى أنفسنا، فلا نرى سوى الضعف وقلة الحيلة، ففي أعيننا نرى أننا لا شيء! إذن هذا اللا شيء سيدمرنا. لنلاحظ أننا لم نقل بأننا لا شيء. ضعفاء قليلو الحيلة، وبالتأكيد هنالك فرق بين ما نرى أنفسنا عليه وما نحن قادرون عليه! حين نرى بأننا أو هكذا نصور أعذارنا، بأننا غير قادرين، غير أقوياء بما فيه الكفاية إذن "غير" هي التي ستستحوذ علينا، وبدلا من شطبها من قاموسنا نصدرها فوق الأسطر، ونعلي من شأنها.
من أين أتينا بهذا، من أعطانا الحق بأن نتجاهل رسائل العون والمساندة من الخالق سبحانه في كتابه العزيز، أو في أحاديث رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام؟!
نحن البنّاؤون، أليس هذا ما طلبه منا الله سبحانه؛ أن نسير في الأرض ونبني؟ إذن، هذا الاتجاه السلبي، هذا الموقف السلبي، هو ما سينتهي بنا إلى الدمار!
ليس لأننا غير مؤهلين من الخالق، بل لأننا لا نرى خلاصنا! ففي حياتنا نحن نواجه يوميا التحديات التي نستطيع إن أردنا أن نتعداها؛ أن نواجه ونصمد، أن نعيد البناء بعد كل هدم، أن نغير مسار الأحداث، أن نصلح بين الإخوة، أن نسعى إلى السلام وهو أصعب من الحرب ألف مرة، نعم نستطيع أن نخلق السلام، ونعيش ونزدهر وننمو!
لكن، حين تكون ضد نفسك، وتؤمن بضعفك، وتتجاهل قوتك، تكون بذلك كمن يسمح لمخاوفه أن تملي عليه واقعه، وعندها ستفشل حتى قبل أن تبدأ، أليس هذا طريق الدمار؟ إن لم يكن فلا أعلم ماذا يمكن أن يكون! لأنك بعد كل فشل تقف وتبكي على ما كان ممكنا أن يكون، ما كان يجب أن تفعله، أن تقوله، أن تبدأ به. ولكنك لم تفعل!
الكراهية التي كان يمكن أن تدفنها في مهدها، المحبة التي كان يمكن أن تنشرها، الحقيقة التي كان يمكن أن تبحث عنها، الأكاذيب التي كان يمكن أن تنتبه إليها وتوقفها، المشاهد التي كان يمكن أن تتفحصها ولا تسمح لمشاعرك أن تقف بينك وبين يقظة عقلك، الغضب الذي كان من الممكن أن تتحكم فيه ولكنك استسلمت له، وسمحت له أن يعمي على بصيرتك، الأنا التي سمحت لها أن تغذي نرجسيتك، وتركتك تستغل أي موقف لصالحك، حتى وإن كان مأساة أو فاجعة، الشعارات الرنانة التي رفعتها ودست فوق "الأنسنة" الصالحة، القناع الذي ارتضيت أن ترتديه مرضاة للغير، ولم تخلعه وترميه في قلب المرآة، الفكر الذي لم يخرج من عندك. من عقلك، من جهدك، وبالرغم من ذلك وقفت تدافع عنه دفاع المستميت، تركيزك على علاقاتك بمن ماتوا ولا تفكر بعلاقاتك بمن سيولد أو سيأتي من بعدك؛ فقد لا يتعدى فكرك أبناءك أو ربما أحفادك، ولكن الأجيال التي بعدهم لا يهم إن لم تترك لهم شيئا، على الأقل القدوة الحسنة أو البيئة الآمنة، الربح الذي جعلت منه قيمة وتغاضيت عن نوع الثمن، السم الذي شربته وأنت تجادل وتتحدى الكل بأنه عسل، العناد ورفضك أن تصغي للآخر بل أن تعترف بأن هنالك آخر، الفاجعة التي تعتبرها مأساة في مكان وفي مكان آخر كذبا وافتراء أو حتى ابتلاء، حتى الأعداد لم تسلم من مخاوفك، فكلما ارتفعت استقمت وانتبهت إليها، وكلما انخفضت استرخيت واستهنت بها، أما المقارنة فتلك حقا قصة مثيرة للشفقة؛ فأنت لا تقارن إلا لتبرز مساوئ غيرك، وتسعى مسعورا ليس من أجل أن تبرز فضائلك، بل لتقلل من شأن ما هو ظاهر أمامك أو ما لديك من مساوئ! فإن لم يكن هذا دمارا، فأين يكمن الدمار؟
كل ما نتغنى به أصابه نقص مناعة؛ الأخلاق، المبادئ، الوطنية، الإنسانية، العدل، الجرأة، الضمير. نسينا قدراتنا على التغير واختبأنا خلف مخاوفنا! نريد أن يقف العالم ويصغي حين نتكلم؟ نريد أن نواجه العالم ونرفع المظالم عن أمتنا؟ لنواجه أنفسنا أولا! لأننا إن لم نفعل سنقضي على علاقتنا، على أسرنا، على مجتمعاتنا وعلى أمتنا!
نحن كقطعة من القماش المتين الذي كل خيط فيه يعتمد على صلابة ومرونة الآخر، فإن نظرنا إلى أنفسنا على أننا مجرد مجموعة من الخيطان متفرقة تمزقَ النسيج وتحللنا، ثم نقف على الأطلال نبكي ما كان في يدنا وأضعناه!
لكننا نستطيع، لندرك فقط مدى ما يمكن أن نقوم به إن أردنا، لندرك مدى ما يمكن أن نكون إن تخلصنا من مخاوفنا، لندرك أن كل شيء ممكن إن بدأنا في دراسة وتحليل أنفسنا، ثم قمنا بالتخلص من كل ما يقف حاجزا بيننا وبين الآخر في هذا النسيج الرباني.
خلاصنا بأيدينا إن شئنا، ودمارنا بأيدينا إن تكبرنا ونكرنا وأبينا.