فجع المجتمع السعودي مساء ما قبل البارحة بقصة مأساوية لحفل فرح وزواج تحول إلى عزاء ومأتم. تفاعل هذا المجتمع مع الهاشتاق في العنوان بعاليه بكل أطيافه وشرائحه الفكرية والعمرية حتى لتكاد تجزم بأننا نقول ما لا نفعل. تبادل أخبار المأساة بكثافة ولكن: تثبت البراهين أننا مجرد "هاشتاق" لفظي وقتي "لحظوي"، ولكن بلا أخذ للعبرة في المخرجات والنتائج. عرفت القتيل -رحمه الله- طالبا يسبقني بعامين في مدارس مسقط رؤوسنا الأولية، فكان عصاميا طموحا، ويحزنني جدا جدا أنه مات هكذا بسبب كلمة حق وصدق قالها في محفل. تعلمت من هذا الدرس القاسي ألا أقول كلمتي مهما كانت بيضاء في حفل عام به من المشارب والفئام ما يصل إلى حد الاضطراب النفسي، وهنا لا أتحدث عن مجرد "قاعة" شاردة، بل عن كل قاعة من الطوال إلى رفحاء ومن القطيف إلى ينبع.
إنها أمراض "الطارئ" على ثقافتكم عادت إليكم. لا تقولوا أبدا إن الخلاف على "شيلة" هو السبب وحده، فأنا من قبل أقول إنها اكتساح مريض مختل لتربيتنا وثقافتنا مثلما هي تدريب على الهياط والدرباوية، بل أكثر من هذا سأقول بوضوح إنها رقصة ممنوعات ومنشطات. تعالوا نكاشف أنفسنا بكل جلاء وصراحة: من هو الذي يجرؤ على أن يصدح بكلمة الحق في مكان عام أو خاص أو مغلق، تتمنطق فيه كتائب هذا "الهياط" بالسيوف والأسلحة البيضاء والنارية؟ من هو الذي أدخل إلينا هذه الثقافة المريضة حتى أصبح إهداء الأسلحة في صالات الأفراح يتم على العلن المكشوف في بيئة تعرف أعراف أهلها وتقاليدها التاريخية يوم كان السعودي الأصيل "ينفع" رفيقه وصديقه في زمن الحاجة بريالين. من هو المواطن أو حتى رجل الأمن الذي يستطيع أن يقول كلمة الحق أو تفعيل القانون في وجه أرتال هؤلاء المراهقين الذين "يحتزمون" المسدسات علنا في الشوارع والإشارات وأمام نقاط التفتيش الأمنية؟ من هو الذي أضعف مدير المدرسة المتوسطة ومعلم الصف الثانوي إلى الدرجة المخيفة التي لا يستطيع معها تفتيش حقائب الطلاب، حيث تقول التقارير إن 10% من هذه الحقائب السوداء تذهب للمدارس بسكاكينها القاتلة؟ صاحبي وزميل مدرستي القديم لم يقتله الخلاف على "شيلة" بقدر ما قتلته هذه الثقافة الدخيلة. من هو الأب الذي ربى ودرب ولده على احترام المجتمع وتقدير الكبير واحترام طالب العلم أو حتى على النقاش المؤدب في كل قضية نختلف حولها في الهدف والرأي. سأختم برقمين مذهلين لبحث أكاديمي استقصائي لأستاذ علم اجتماع: 18% من الآباء أجابوا بأنهم يخشون من أبنائهم المراهقين عند كل اختلاف. 32% من الآباء غير متأكدين أن أولادهم أو بعضا منهم متعاطون أو مدمنون، بعدها تحدثوا بما شئتم عن السيف والمسدس في الشوارع أو بأيدي مثل هؤلاء في حفلة زواج.