ليس ذنب سفيرنا في العراق ثامر السبهان أن يكون عملاء حزب الدعوة من أمثال نوري المالكي وهادي العامري قد وثَّقوا تاريخ عمالتهم وخيانتهم بالصوت والصورة، فظهروا على الشاشات في ميدان المعركة وهم يبدون حماستهم ورغبتهم في تدمير العراق وشعبه، بل أعلنوا بلا حياء أو خجل ولاءهم التام وطاعتهم العمياء للخميني آنذاك، وكانوا يقاتلون جنباً إلى جنب مع الجيش الإيراني، مصوِّبين بنادقهم وفوهات مدافعهم إلى وطنهم وصدور أهلهم، هذه حقيقة لم يأتِ بها السبهان من رأسه، ولا يمكن مسحها من أعين الناس وذاكرتهم، لذا فإني حين رأيت ردود الفعل الغاضبة لبعض الإخوة العراقيين على تغريدة السبهان تذكرت مقولة هاري ترومان: "إنني لم أعكر صفو حياتهم أبداً، إنني فقط أخبرهم بالحقيقة فيرونها جحيماً"، فمع أن قلب السفير ينبض بحب العراق، ويقف على مسافة واحدة من أهله بمختلف مذاهبهم وأطيافهم وعرقياتهم، كما أنه انتهج سياسة ضبط النفس في تعاطيه مع سياسيين حمقى وعملاء أغبياء، ولم يخرج في ردوده عن حدود اللباقة والأدب والأعراف الدبلوماسية، إلا أن الصبر له حدود، ومن غير المعقول أن يتطاول المالكي على المملكة وقيادتها ثم يبقى صامتاً، وحين احتاج إلى الرد لم يقل شيئاً بلا دليل، إنما قال كلاماً محدداً كان في منتهى الدقة والوضوح، وهو أقرب إلى المعلومة منه إلى الرأي: "ماذا يُتوقع ممن حارب العراق ووقف مع إيران، وخلال فترة حكمه خسر العراق 70% من أراضيه لحلفائه الدواعش، صدقت العرب (رمتني بدائها وانسلّت)".

لم تكن هذه التغريدة لتثير تلك العاصفة الهوجاء من الضجة والغضب والاحتجاج والتهديد لولا التحريض المباشر والاستعداء الممنهج من ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه نوري المالكي على السفير السبهان، لأن إثباتها لا يحتاج إلى أكثر من ضغطة زر يستعرض بموجبها أيُّ عراقي بعض مقاطع الحرب العراقية الإيرانية، والصندوق الأسود لتلك الحرب، وسيعرف هو بنفسه أن من باعوا العراق بالأمس وتآمروا عليه، وانحازوا إلى أعدائه هم ذاتهم من يقودون العراق اليوم، ويتحكمون في صنع القرار فيه، وهم من يحددون لأبناء العراق العظيم معايير الوطنية والكرامة والشرف، ومن هو مع العراق ومن هو ضده، في ظاهرة تاريخية للخيانة قد لا تتكرر، ووجهٍ للعمالة قد لا تجد له شبيهاً في البشاعة والسواد في أي مكان آخر، ويا لها من أعجوبة أن تكون ميليشيات حزب الدعوة التي استهدفت الأسواق الشعبية والأماكن العامة المكتظة بالمدنيين الأبرياء أيام الحرب مع إيران، كما فجر انتحاريوها وفخخوا مؤسسات الدولة العراقية وعملوا كطابور خامس لمصلحة إيران، هم أنفسهم من تذرع ميليشياتهم اليوم شوارع العراق وتطوف مدنه وقراه لتقوم بتصفية حساباتها وأحقادها وعقدها مع كل العراقيين الشرفاء الذين كان لهم دور بارز في إذلال الصفويين وتمريغ أنوفهم بالتراب، فأحدثوا مجازر وتصفيات وتهجيرا بحق العلماء والمفكرين والضباط والطيارين، بمبررات اجتثاث البعث أحياناً وبذريعة الإرهاب أكثر الأحيان، كما قاموا باستهداف الشيعة البسطاء، ثم ألصقوا ذلك كله بجماعات سنية متطرفة إمعاناً في الطائفية وزيادة في الانقسام والأحقاد، ولكي تدرك فداحة المشهد وتتصور الوضع الكارثي الذي وصل إليه العراق، كل ما عليك أن تفعله هو أن ترى هادي العامري في مشهدين، مرة وهو يقاتل مع جيش إيران ضد العراق، ومرة وهو يقود الحشد الشعبي متوعداً أبناء المناطق السنية بحرب إبادة لا تبقي ولا تذر!، كما أن كثيراً من التفجيرات التي طالت مناطق شيعية وأُلصقت بداعش – تفجير الكرادة مثلاً -  لا تحمل سوى بصمات حزب الدعوة، وقد لا يحتاج العراقيون إلى مزيد من الوقت ليدركوا حقيقة داعش، ومن يعمل على تغذيتها ويقف وراءها، وما أهدافها، فلو فكروا قليلاً لعرفوا حقيقة هذه الجماعات، وأن الحشد الشعبي وداعش وجهان لعملة واحدة، وُجِدا بهدف تخريب العراق وتمزيق نسيجه ووحدته وأمنه.

عندما سئل هتلر عمَّا إذا كان من الواجب إبادة اليهود، قال: "كلا، لو زال اليهود لكان علينا أن نخترعهم، من الضروري أن يكون هناك عدو ملموس، لا مجرد عدو مفترض"، ولذلك لا يمكن للعراق أن ينعم بالراحة والأمن والاستقرار والوحدة ما دامت هنالك طفيليات تعتاش على جسد العراق وتنخر في عروبته، كما تعمل على تغذية تلك الجماعات المتطرفة بشتى الطرق، فهي تدرك تماماً أن بقاءها مرهون بمدى استمرار تلك الجماعات، ومتى ذهبت فستذهب هي معها، والمعضلة التي تواجهها إيران وعملاؤها في المنطقة عموماً تكمن في أنها لا تعرف سوى الموت والخراب والدمار، أما البناء والحياة والتنمية فتلك عمليات شريفة لم تتعلمها دولة الولي الفقيه.

أعتقد أن الذين أوجعهم كلام السفير السبهان ليسوا إلا واحداً من اثنين، إما عملاء معلومو العمالة لإيران، وهؤلاء لم يوجعهم التصريح حياء من العمالة بقدر ما أنهم ترتعد فرائصهم خوفاً من أن تُلامس هذه الكلمات الصادقة المؤثرة إباء العراقيين ونخوتهم وعروبتهم فيكون مصيرهم السحل في الشوارع والصلب على جذوع النخل ثم الرمي إلى الكلاب، وإما أن يكونوا عراقيين شرفاء يريدون الهروب من واقعهم المرير فلم يجدوا بداً من إنكاره، وهؤلاء مهما اختلفنا معهم يبقون إخواننا وأهلنا وعزوتنا، يؤسفنا أن تصل أحوالهم إلى هذه الدرجة من البؤس والتشرذم والضياع، وسنظل في انتظار عودتهم مهما ابتعدوا وطالت غربتهم، وسيجدون أننا الأوفى والأخلص والأصدق والأقرب لهم مهما دُقَّت أسافين الفرقة والعداوة والكراهية بيننا، فنحن على يقين أنهم إن خُدِعوا بعض الوقت فلن يُخدَعوا كل الوقت.