تعد أكثر صورة ذهنية مرسومة لروسيا في هذا التوقيت، هي حول طبيعة تعاطيها مع الأحداث الدولية، وتحديدا نظرتها إلى الولايات المتحدة، ففي كل اتجاه تخطوه الأخيرة في أي حدث، تجد بصمة روسيا فيه، بحيث إنها تتعقب سياسات واشنطن وخياراتها أينما وجدت على مختلف المسارح العالمية، والتطورات الدولية. وبحسب تقرير للأميرال المتقاعد من البحرية الأميركية، والقائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي"الناتو" جيمس ستافيريدس، نشره موقع "فورين بوليسي" الأميركي، فقد أكد أنه بالرغم من الجهود الحثيثة لتقارب أميركا مع روسيا في عدة قضايا مثل أوكرانيا، وسورية، وإيران، والصواريخ الدفاعية لأوروبا، وعضوية الناتو، والأمن الإلكرتوني، إلا أن هناك تناقضا كبيرا وعدم تفاهم يظهران جليا بينهما.




غموض بوتين

أشار ستافيريدس، إلى أنه عندما يفكر المراقبون في جذور تلك التناقضات بين البلدين، فإنها ترجع بالأساس إلى الشخصية الصعبة والخلفية الغامضة لبوتين، حيث إنه يبدي كرها للولايات المتحدة، وللرئيس باراك أوباما وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، بطريقة ذكية من خلال شخصيته.

ويضيف "أن الطبيعة الجينية السياسية لبوتين، معظمها تتمحور حول معاداة الغرب، لكن بالرغم من ذلك وجدت الولايات المتحدة أرضية للتعامل مع روسيا"، مستشهدا بالمفاوضات العديدة التي أجريت مثل القضايا الأمنية في أفغانستان، والتحكم بالأسلحة، ومحاربة الإرهاب، إضافة إلى اتفاق كيري ولافروف بشأن تطبيق هدنة وقف النار في سورية.


عملية صعبة

أوضح ستافيريدس، أن الدبلوماسيين الأميركيين المهرة استطاعوا أن يبنوا علاقة عملية مع روسيا، بالرغم من أن ذلك يعد أمرا صعبا، لكن بعض المقاربات في التفاوض مع روسيا تعتبر جيدة نوعا ما وناجحة، مؤكدا أنه خلال المفاوضات العديدة التي أجراها مع الروس بصفته القائد الأعلى لحلف الناتو، استفاد من التجارب وبعض الممارسات حول كيفية تفكير الروس تجاه الأحداث العالمية.

لفت ستافيريدس إلى أنه يجب معرفة نظرة الروس العالمية الخاصة، حيث إنهم يرون أنفسهم كأقوى إمبراطورية بفعل القوة المتعاظمة لديهم، إضافة إلى الثقافة المترسخة عندهم بأن بلادهم تمتلك من النفوذ الذي يعطي لها السيطرة على كل جزء من العالم، موضحا أنهم يفخرون بلغتهم كثيرا، وبأدبياتهم، وبتفسيراتهم العلمية، بالإضافة إلى أن خسارتهم للحرب الباردة، مكنتهم من تعلم طبيعة مجريات الأحداث العالمية.







هزيمة الطرف الآخر

أكد الأميرال المتقاعد، أنه عند التفاوض مع الروس يجب القبول بهيمنة بوتين على مفاصل الدولة والقرار السياسي، وبالتالي فإن روسيا دائما ما تتبع الرجل القوي، بحكم أن الحكم فيها هو رأسي، مشيرا إلى أنه لن تجدي المفاوضات مع المسؤولين الصغار، ويجب على الغربيين أن يظهروا الاحترام الكافي لبوتين في أغلب مفاوضاتهم، مضيفا "أن الروس عادة ما يدخلون في مفاوضات ليس لأجل التوصل إلى نتائج رابحة من كلا الطرفين، بل لأجل أن يهزموا الطرف الآخر فقط".




إثارة الشكوك

خلص الكاتب، إلى أن الروس عادة ما يثيرون الشكوك والشبهات حول الشركاء غير الموثوق بهم، وأميركا على رأس تلك القائمة، مبينا أن شعبية بوتين، جعلت العديد من الناس يعتبرونه بمثابة الدب، ويرغبون بوضعه في سلسلة وإحكام القبض عليه، حتى يقتلعوا مخالبه وأنيابه، وبالرغم من ذلك قد يبقى الخطر قائما تجاهه، وهذا الذي يجب أن تفكر فيه الولايات المتحدة جيدا ليس حول سياستها فقط، وإنما لوصولها إلى خطوات أبعد في المفاوضات.




تحذير غربي

حذر الخبير ومدير الدراسات الروسية في مركز هنري جاكسون أمدرو فوكسال، في تصريحه إلى صحيفة "الدايلي ميل" البريطانية، من أن النظام الدفاعي البريطاني "سيئ التجهيز" والإمكانيات، قد يعجز في الدفاع عن نفسه، في صورة شن الرئيس الروسي بوتين حربا نوويا عليه.

وبحسب الأرقام الأخيرة، قال الخبير الروسي "إن روسيا تمتلك ما يفوق عن 7300 صاروخ نوويا، بينما نظيرتها البريطانية لديها 215 صاروخا فقط في ترسانتها". وبين فوكسال، أن النظام الدفاعي والإستراتيجية العسكرية، ومعايير التدريب لدى بريطانيا، لا يمكن أن تقارن بنظيرتها الروسية، وبالتالي فإن التجهيز السيئ والرديء لدى بريطانيا لا يمكّنها من مواجهة النظام الروسي، وإن هناك حاجة عاجلة لتقوية الأنظمة الدفاعية لبريطانيا، ولدول حلف الناتو بأسرها. وأشار فوكسال إلى أن التحالف وحده لا يكفي لبناء الإمكانيات الردعية الضرورية، لصد العدوان المتنامي والعنيف من قبل روسيا، لافتا إلى أنه من الخطأ استبعاد أي غضب روسي في هذا الجانب، ومبينا أن تركيز بريطانيا على منطقة الشرق الأوسط، سيفتح الطريق أمام تغول الكرملين، مؤكدا أن هذه التطورات تؤكد النظرية التي ترى أن العالم الآن أصبح أكثر فوضوية وخطورة من أيام الحرب الباردة.




غياب الإستراتيجية

أوضح فوكسال، أنه على مدار عقدين، اقتصرت بريطانيا وشركاؤها في الناتو على حروب مكافحة التمرد، بدلا من تطوير آليات الدفاع التي توجب حروب الدول ضد بعضها، مضيفا "أن طريقة إدارة الحروب لدى بريطانيا والناتو، تضمنت أنظمة دفاع لوجستية، وتدريب، وتمارين، وأولويات، تختلف تماما عن التي يجب تطويرها للرد على الخطر الروسي القائم".

وخلص فوكسال بالقول "إن الصراع القائم بين روسيا وجورجيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى موقف موسكو الصلب في سورية، ازداد من تمكينها كأكبر دولة محاربة في العالم"، مستشهدا بحادثة اعتراض سلاح الجو البريطاني لطائرة روسية اقتربت من الأجواء البريطانية، وواصفا بوتين بأنه هو من سيبدأ الحرب أولا، بالرغم من أن فرص الحرب بين البلدين تعتبر ضعيفة، إلا أن فرص بدايتها تبقى قريبة وتجهزها موسكو في وقت ما.